ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(26) / د. محمدو احظانا

أم الروايات
رواية ثيران بابه سبع الغابة

قال الراوي لحلقته:
قبل الرواية:
” حاجيتكم، ما جئتكم: أكحل كحيل، يظل يعوم إلى الليل”؟
فأجابه أول مجيب:
-أعرفها أنا. إنها دلو البئر.
فبدأ الراوي يروي لحلقته وهو يردد: هينة.. هينة.

الفصل الأول

قيل لكم في ما قيل لكم:
إن بابه سبع الغابة اشترى مجموعة من الثيران السمينة من جلابي الثيران، وساقها إلى خيمة الأرنب فاطمة بنت انجوره، وجعل عليها حظيرة من أغصان الأشجار الشائكة، وطلب منها أن تحافظ له عليها سقيا وتعليفا حتى يعود إليها.
فأجابته إلى ذلك. وهل تستطيع المسكينة أن تمتنع ودم رقبتها بين مخلبين من مخالبه؟

الفصل الثاني
لم تكد التلة تغيب رأس بابه وعرفه حتى اقترب الذئب المسمى بين الحيوانات محمل اندباره وكان يراقب عن بعد، فسأل بنت انجوره، وكانت مطلقته:
– من أو دعك هذه الثيران السمينة ياسيدتي؟
فقالت له:
– أودعني إياها بابه.

****
انطلق محمل اندباره نحو صديقه غابون،فطرق عليه باب جحره طرقات اتفقا عليها عند الطوارئ، فخرج إليه.
قال محمل اندباره لغابون:
– لقد أتيتك بالعيد ولحم الصيد.
– وما ذاك؟
– قرب مني أذنك حتى لا يسمعنا أحد. لقد أودع بابه عددا من الثيران السمينة لزوجتي السابقة فاطمة بنت انجوره.
– وكيف يتجرأ عليها إلا من صلت عليه أربعوز كفا؟
– لا عليك. التدبير والحيلة مني، والقوة منك، كما تعلم.
– طيب.. هيا.
– إلى أين؟ هذه هي العجلة والتسرع اللذين أقول لك دائما إنك لا تنفك منهما. انتظر حتى نرسم الخطة المحكمة.

الفصل الثالث

– بنت انجوره لا تثق بي وتعرف حيلي ولم تكن تثق بي ولن تثق بي في هذه خاصة، لذلك سألقنك الحجة التي لن تمتنع معها عن إعطائنا ثورا من ثيران بابه. تفترسه أنت وآكل أنا معك منه.
-وماذا ستلقنني؟
-ستتماسك أولا وتشهد أن لا إله إلا الله، وتقول بثقة في النفس دون تلعثم:
“بنت انجوره، أرسلنا بابه إليك لتبعثي له معنا أحد ثيرانه”. ولا تزدها على هذا حتى لا تغلط أو يتناقض كلامك، أو يأخذك الفضول مآخذه، كعادتك.
-لن أزيد على ماقلت لي فأنا واثق من ذكائك وحيلتك. لكن هذه الرسالة أطول من تكوره. وما دام اللحم هو الهدف المشترك فلن أخالفك، لكن اختصر رسالتك حتى أحفظها.
– طيب. سأختصر فكرر معي: بنت انجوره.. فردد غابون:
-بنت من؟!
-انجوره.
-انطوره؟ اسم في غاية الصعوبة والغرابة. من يسمي بناته بمثل هذه الأسماء العويصة؟ قل لي اسما آخر.
-دعك من اسمها وقل لها “أرسلنا بابه إليك لتبعثي له أحد ثيرانه المودعة لديك.
– هذا معقول.

****
ظل محمل اندباره يحفظ غابون عبارة واحدة تليها واحدة، بصبر وأناة حتى حفظ الرسالة عن ظهر غيب.

الفصل الرابع
أقبل السيدان غابون ومحمل اندباره ولعضمهم يخش في بعض، على بنت انجوره وقذف لها غابون محفوظته الصعبة دفعة واحدة، وتنحنح مرتاحا:
– الحمد لله أني حفظتها فذاكرتي واهنة وقد قالها مدرسي لأمي.
وكزه محمد بمرفقه. فسكت.
أجابته بنت انجوره:
– خذا له واحدا من الثيران.
فتسابقا نحو الحظيرة وأخذاه، وغابا وولد اندباره يقوده بأذنه وغابون يسوقه، حتى وصلا إلى جحر غابون، فنحرا الثور وأتيا على لحمه.
ولم يزالا كذلك يأتيان إلى بنت انجوره بنفس الرسالة من بابه سبع الغابة حتى لم يبق من ثيرانه إلا واحد.

الفصل الخامس
عاد الأسد ليأخذ ثيرانه المودعة لدى بنت انجوره، فسألها مستغربا:
-أين ثيراني السمينة؟
فقالت له: لم يبق منها إلا واحد. وقد كان غابون والذئب يأتيانني برسالة منك فأرسل لك أحدها.
-فعلها بي أبناء الحرام!! اسمعي ما أقول لك ونفذي منه ما يعنيك بالحرف. سآكل هذا الثور وأسلخه وألبس جلده، فإن جاء الشقيان فقولي لهما: خذا الثور الأخير واقرئوا مني التحية لملك الغابة.

****
ذبح بابه ثوره، وسلخ جلده ولبسه، ووارى فرثه، والتهم لحمه على عجل، ووقف وقفة الثور في الحظيرة صابرا ينتظر عصابة اللصوص الثنائية.

الفصل الخامس
أقبل غابون ومحمد على الأرنب وهما يتضاحكان عاليا، ويصفق كل واحد منهما يده بيد رفيقه بطرا، وقد ذهبت ريطة الجوع عن ملامحهما وسحنةوالشقاء عن جلديهما لأنهما سمنا من لحم ثيران بابه دون أن يعلم.

****
لم تمهل بنت انجوره الرسولين فخاطبتهما من بعيد:
– خذا الثور الأخير وبلغا تحياتي لبابه سبع الغابه، ولا تنسيا أن تقولا له أن لاينساني في صالح الدعاء.
أخذ محمد بأذن بابه وقاده إلى خارج الحديقة بسعدادة، وغابون يسوقه ويحكي النكات ويتلقاها بمرح من محمد.
حتى إذا فصلا عن خيمة الأرنب التفت الذئب إلى عيني الثور فإذا بهما صفراوين نافذتين. فقال لغابون:
– أيها الضبع الشهم؛ هيا، أمسك لي أذن الثور فهو طيع حتى أقضي حاجتي وأعود إليك.
فأقبل غابون متحمسا، وأمسك أذن الأسد وأخذ يجذبها ويعنفه. وانطلق الذئب حتى تذرع بشجرة وانطلق هاربا لينجو بنفسه.

الفصل السادس

وقف الأسد متمنعا بعد حين، فجذبه غابون بعنف حتى تزايل جلد الثور عن مؤخرته. فحقق غابون في العينين الوقادتين والذيل فعرف صاحبها.
تنهد يائسا وهو يخاطب الوهم، بكل صدق وإخلاص:
– ترى من سيمسك لي أنا هذه الأذن حتى أقضي حاجتي وأعود إليه؟!

قال الراوي:
“وأخذت أنا نعلي ورجعت عنهم إلى أهلي، أبقاني الله سالما أحدث بروايتهم دائرا عن دائر.

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى