تصرف رجل أعمال يوم أمس مع عامل تسبب في اشتعال سيارة محملة بالزرابي بطريق صكوك
يومَ أمسِ وقتَ الهاجرة اشتَعلت النَّار في شاحنَة على طريق “صكوك” كانت عائدة لتَضَع حَملها في أحد المَخازن, فتوقَّفت غيرَ بعيد من محطَّة سارع عمَّالُها إلى الحريق كأنَّهم سَحائبُ سَحَّت لإطفائه.
لم تَشتعل الشَّاحنة بنار شَمس الظَّهيرة المُوقدة, وإنَّما كان على ظهرها عاملٌ يُدخِّن في حالة استرخاءٍ في يَوم عَملٍ شاقٍّ, فرَمى “سيجارة” جَرَت بها الرِّياح إلى مَواطن الإحراق, فأضرَمت نارا تُذيب دِماغَ الضَّبِّ.
كانت الشَّاحنةُ مليئةً بالفُرُش الثّمينة المدبَّجة بأيدي المَهَرة, والغالية على المُستثمرين في ميدانها, فأفسد الحريق كثيرا منها, ووجَد ذلك العاملُ في قلبِه حريقا أشدَّ حرًّا, وكان يَحمِل هُمُوما أثقل من أُحُد.
اِتَّصلُوا بصاحب العمَل وأخبَروه, فأسرَع إلى مَوضع الحدَث ليَقِف عليه, وحين وصلَ وتكلَّم مع العامل, لم يُطالبه بتعويض من مال أو جُهد, وإنَّما قال له: “قدَّر الله وما شاء فعل” وإنَّه قد تسبَّب في هذا الضّياع, وإنَّه مضطرٌّ لِفصلِه عن العَمل حتَّى لا يكون سَببا في ضَرَر أعظم في المال أو الأرواح.
انصَرف ذلك العاملُ وهو يَرى التَّدخينَ أشأمَ من غُراب البَين عندَ القدماء, حيث لم يَكن سَببا في ضياع أموال كثيرة فحسب, وإنَّما في فِراق رَبِّ عمل لا يُنكر فضله, وفَقدِ عمَلٍ لا تَخفَى حاجَتُه إليه.
وبَعد ساعات من النَّدم وعِتاب النَّفس رَجع مع بعض العمَّال إلى ربِّ عملهم وأقسم ألاَّ يُدخِّن بعدَها أبَدا وأبدَى حاجَتَه وحاجة عياله إلى عمل يَكتسبون به وخاصَّةً في هذه الأيّام الَّتي قَلَّ فيها الرَّاحمون, فلم يَكُن من ربِّ العمل إلَّا أن عَفا عنه, وردَّه إلى عملِه كما كان.
حين قصَّها علَيَّ البارحة صَديقٌ لي يَعمل معهم وأنا في الطَّريق إلى البيت تذكَّرت أنَّ من أخلاق النَّبِيِّ الأكرم صَلَّى الله عليه وسلَّم – كما روى البخاريُّ- أنَّه (لا يَدفع بالسَّيِّئة السَّيِّئة ولكن يَعفو ويَغفِر) وأنَّ كثيرا ممَّن جعل الله تحتَ أيديهم عُمَّالا يَحتاجون إلى الرَّغبة في صُنع المَعروف وإدراك هوان الدُّنيا ليتخلَّقُوا بهذا الخُلُق الزَّكيِّ.
جَزاه الله وأمثالَه خيرا, وأدام نِعمتَه عليهم, وجعل مصائبهم تكفيرا لخطيئاتهم, ورفعا لدرجاتهم.
من صفحة محمد سالم المجلسي المجلسي