الغاز الجزائري يتوغل في أوروبا
دخل الغاز الجزائري دائرة الضوء منذ أن قرر الاتحاد الأوروبي خفض اعتماده على مصادر الطاقة الروسية، ويبدو أنه سيشهد مزيدًا من التوغل في القارة العجوز مع إعلان سلوفينيا مقترحًا لتطوير خط أنابيب لنقله إلى المجر.
وفي هذا الشأن، كشف رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب عن أن هناك محادثات بين بلاده والمجر، لتشييد خط أنابيب غاز لربط البلدين، إذ تدرس الأخيرة العديد من البدائل لخفض اعتمادها على الإمدادات الروسية.
وقال غولوب إن بناء خط أنابيب لنقل الغاز الجزائري سيُسهم في تخلُّص بودابست من التبعية للغاز الروسي، حسبما نشرت صحيفة الفاينانشال تايمز.
وجاء هذا الإعلان في الوقت الذي أطلق فيه رئيس الوزراء السلوفيني ونظيره المجري فيكتور أوربان محطة كهرباء جديدة قريبة من الحدود المجرية والكراوتية تربط شبكات الكهرباء في الدول الـ3.
وخلال شهر نوفمبر (2022)، وقّعت سلوفينيا -التي دخلت منطقة اليورو في يناير 2007- اتفاقًا مع الجزائر لاستيراد نحو 300 مليون متر مكعب سنويًا من الغاز بوساطة خطط الأنابيب الحالي عبر إيطاليا، وسيمكن ذلك سلوفينيا من خفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلث.
أما خط الأنابيب الجديد المقترح فسيساعدها في نقل التدفقات إلى المجر ضمن مساعيها الرامية، لمساعدة جيرانها في حسم مسألة الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأعرب غولوب عن حرص بلاده لمد يد العون إلى جيرانها، ومن بينها المجر، مشيرًا إلى أنها ليست الدولة الوحيدة التي تعتمد كليًا على الغاز الروسي، فالنمسا تواجه المعضلة نفسها، ويتعين مساعدة هذه الدول لمواجهة الأزمة، إذ لا يمكن تحقيق ذلك بمفردها.
السباق في أوروبا
تتسابق دول الاتحاد الأوروبي لفطم نفسها عن الغاز الروسي بحلول عام 2030، إلا أن المجر تستورد قرابة 85% من احتياجاتها منه، وفقًا لوزارة الخارجية المجرية.
ويشكّل خط أنابيب ترك ستريم المصدر الرئيس لنقل الغاز من شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة عبر تركيا والبلقان.
وفي الوقت نفسه، توصلت بودابست إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يتضمّن إعفاء المجر من أي سقف سعري مستقبلي على الغاز المستورد.
ورغم أن حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان ترفض التوقف عن شراء الغاز من روسيا، فإن هذا الاعتماد المفرط قد يعرّض البلاد للخطر في حالة خفض الإمدادات الروسية إلى أوروبا.
وبعد الاجتماع مع نظيره المجري، قال رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب إن البلدين يستهدفان تطوير خط الأنابيب المقترح لنقل الغاز الجزائري، إذ يمكن تشغيله في غضون عامين إلى 3 أعوام.
وأضاف أن خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الجزائري من سلوفينيا إلى المجر سيكون قادرًا -أيضًا- على نقل الهيدروجين في المستقبل، مؤكدًا أنه يمكن شحن الهيدروجين من شمال أفريقيا لاحقًا خلال مراحل الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
تنويع المصادر
أوضح رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب أنه يمكن تطوير خط الأنابيب وفقًا للطلب، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وقال إن بلاده تتحلى بالمرونة، إذ يمكن وضع ميثاق تضامن في البداية، وبعد ذلك يمكن التقدم بطلب إلى المفوضية الأوروبية لدعم خط الأنابيب، ثم إجراء اختبار للسوق لتحديد الحجم والكميات.
بالإضافة إلى ذلك، شدد غولوب على حاجة الدول، بما في ذلك المجر، إلى التنويع، وتبني خطط للاعتماد على العديد من المصادر بدلًا من مصدر واحد لتلبية احتياجات دولة بأكملها.
وأشاد بالنجاح الذي حققته سلوفينيا في تنويع مصادر الطاقة، مشيرًا إلى أن ذلك من شأنه أن يحفّز جيرانها، خاصة أن الدول الصغيرة تتمتع بالمرونة.
بينما أشار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى اهتمام بلاده بتنويع مصادر الغاز، إذ تدرس -حاليًا- 3 خيارات لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، وتوفير الإمددات من خلال رومانيا أو كرواتيا أو سلوفينيا.
وتتضمّن هذه الخيارات خط الأنابيب السلوفيني المحتمل لنقل الغاز الجزائري، وخطًا لشحن غاز البحر الأسود من الحقول المكتشفة في المياه الرومانية، أو تعزيز الربط مع كرواتيا لاستيراد الغاز المسال المنقول على متن السفن.
وقال إن بلاده مهتمة بالخيارات الـ3 من أجل تحرير نفسها والقضاء على هذه التبعية.
وأوضح أنه على الرغم من أن المجر عزّزت الإمدادات من وجهات جديدة، فإنها غير كافية لتحقيق التنوع المرغوب، معلنًا خططه للتعاون مع سلوفينيا بصورة عملية.
الاتفاق مع الجزائر
رغم أن سلوفينيا من الدول المعتمدة على الغاز الروسي بقوة، فإنها استطاعت إبرام صفقة -مؤخرًا- مع شركة سوناطراك مدتها 3 سنوات لاستيراد 300 مليون متر مكعب سنويًا من الغاز الجزائري بدءًا من بداية عام 2023.
وسيُنقل الغاز عبر خط ترانسميد الذي يربط الجزائر بإيطاليا -بطاقة استيعابية تصل إلى 33 مليار متر مكعب سنويًا- لتغطية ثلث احتياجات البلاد،
ورغم عدم الكشف عن السعر التعاقدي، قالت سلوفينيا إن السعر تنافسي، وهو نبأ جيد للاقتصاد السلوفيني والمستهلكين في البلاد.
وأفاد المسؤولون في سلوفينيا بأن الاتفاق هو مجرد خطوة أولى، ويجرون محادثات لإبرام صفقات طويلة الأجل وتوفير إمدادات تعادل نصف احتياجات البلاد.
واعتادت سلوفينيا استيراد كميات كبيرة من الغاز الجزائري منذ أوائل التسعينيات وحتى عام 2012 قبل الاتجاه إلى شراء الغاز الروسي.
توجيه الأنظار إلى شمال أفريقيا
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر فبراير (2022)، سعت عدة دول أوروبية لتقليل اعتمادها على الإمدادات الروسية واتجهت إلى استيراد الغاز من شمال أفريقيا، خاصة الغاز الجزائري.
وسبق أن حذّر العديد من السياسيين والمسؤولين أوروبا من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية.
ففي عام 1981، على سبيل المثال، حاول الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان وقف تشييد خط أنابيب الغاز الطبيعي السوفياتي الممتد من سيبيريا إلى أوروبا الغربية خلال الحرب الباردة، وحذّر القارة العجوز من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية وحثها على البحث عن بدائل، وفي مقدمتها منطقة شمال أفريقيا، لكن دون جدوى.
وبعد 41 عامًا، تصاعدت التوترات بين روسيا والغرب، وعملت إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي على اكتشاف مصادر جديدة لتوفير الغاز الطبيعي، ومن بينها شمال أفريقيا.
لذا، باتت الجزائر محط اهتمام كبير بصفتها ثالث أكبر مزود للغاز في الاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج.
وصدّرت الدولة قرابة 34 مليار متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2021، أو 8% من إجمالي واردات الاتحاد، وفقًا ليوروستات.
ريم أفريك