أسعارالغاز تثير أزمة فى أوروبا
أثارت أسعار الغاز الخيالية التى تفرضها الولايات المتحدة والنرويج على دول أوروبا، انتقادات حادة خلال الآونة الأخيرة، خصوصا فى ظل محاولات دول القارة العجوز لإيجاد إمدادات تعينهم على مواجهة الشتاء القارس البرودة بعد انقطاع إمدادات الغاز الروسى عنهم.
أزمة قاسية
ولم تعبأ الولايات المتحدة بتحالفها السياسى مع دول أوروبا، فانتهزت فرصة الحرب الروسية الأوكرانية لترفع أسعار الغاز أربعة أضعاف حتى الآن، لتصفها الدول الأوروبية بأنها أصبحت أسعار خيالية لن يستطيعوا الاستمرار فى شرائها.
ولا تزال أزمة الطاقة تُلقى بتبعاتها القاسية على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى أوروبا، بعدما قطعت روسيا إمداداتها من الغاز ردًا على العقوبات الاقتصادية التى فرضها الغرب والولايات المتحدة على موسكو بسبب الحرب الأوكرانية.
سقف لأسعار الغاز
وتطالب 15 دولة أوروبية، بينها فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا، بوضع سقف لأسعار الغاز، وسط توقعات بأن تقدم المفوضية الأوروبية مقترحات بهذا الشأن قبل اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين يومى 11 و12 أكتوبر الجارى.
ولجأت ألمانيا وفرنسا كبقية دول أوروبا، إلى الولايات المتحدة التى زادت صادرات الغاز الطبيعى المسال نحو أوروبا من 28% إلى 45% فى الفترة بين عامى 2021 و2022.
وعلى الرغم من أن واشنطن سعت إلى جانب حلفائها الأوروبيين لمعاقبة روسيا وفرض سقف على أسعار الغاز الروسى مؤخرًا، إلا أن الولايات المتحدة لم تبالى واستغلت الحرب الروسية الأوكرانية لمضاعفة أسعار الغاز الخاص بها إلى أربعة أضعاف على الأقل، ما زاد من صعوبة الأزمة على الأوروبيين حلفاء واشنطن.
ليست أصول الصداقة
ومازال قادة الدول الأوروبية يتمسكون فى تصريحاتهم بصداقتهم مع حليفهم السياسى الولايات المتحدة، مطالبين واشنطن بخفض أسعار الطاقة، ففى كلمته أمام مؤتمر لرجال الأعمال فى باريس، قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، إن “على الدول الأوروبية الانضمام إلى الاقتصادات الآسيوية لمطالبة الولايات المتحدة والنرويج بإبداء صداقة أكبر من خلال بيع الغاز بأسعار منخفضة”.
وأضاف ماكرون أنه “بروح الصداقة العظيمة، سنقول لأصدقائنا الأمريكيين والنرويجيين : أنتم رائعون، لأنكم تزودوننا بالطاقة والغاز، لكن الشيء الوحيد الذى لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة هو أن ندفع أربعة أضعاف السعر الذى تقومون بالبيع به للصناعة لديكم، وهذا ليس أصول للصداقة”.
وتتجه فرنسا لإثارة قضية أسعارالغاز المرتفعة على طاولة مباحثات مجموعة السبع فى اجتماعها المقبل، فى ظل استمرار الأزمة وانقطاع الإمدادات الروسية التى كانت تشكل أكثر من 40% من استهلاك القارة العجوز.
كذلك، أكد وزير الاقتصاد الألمانى روبرت هابيك، استنكاره لطلب دول “صديقة”، فى مقدمها الولايات المتحدة، أسعارًا خيالية لتوريد الغاز إلى بلاده من أجل تعويض وقف الشحنات الروسية.
وقال هابيك فى تصريحات لوسائل الإعلام الألمانية : “هذه المسألة تجلب بالطبع مشكلات يتعين التحدث بشأنها”، آملاً فى أن تتحدث المفوضية الأوروبية عن هذا الأمر مع الولايات المتحدة والنرويج.
وفى تصريحات نقلتها “سكاى نيوز”، أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، صامويل وربيرج، أنَّ واشنطن “على تواصل مباشر” مع حلفائها فى الاتحاد الأوروبى، لضمان الوصول لإمدادات الطاقة اللازمة، سواء من الولايات المتحدة أو من الدول الأخرى المصدرة للطاقة.
وأشار وربيرج إلى أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر مورد للغاز الطبيعى المسال إلى الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة فى عام 2021، وهى فى طريقها لتصبح أكبر مصدر إجمالى للغاز الطبيعى المسال هذا العام.
وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى أعلنوا عن اتفاقية لإمدادات إضافية هذا العام وزيادة كبيرة حتى عام 2030.
وخلال كلمته بمنتدى أسبوع الطاقة، حذر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، من أن أسعار الغاز ستتسبب فى خسائر كبيرة لأوروبا هذا العام، أن الرفاهية فى أوروبا كانت مقترنة بالتعاون مع روسيا، لافتا إلى أن تحديد سقف لأسعار الغاز سيجعل أوروبا تخسر مئات المليارات.
وأشار بوتين، إلى أنه لا يمكن الامتناع عن التعاون مع روسيا، قائلاً : “نريد التعاون مع أوروبا تجاريا لكنهم هم من فرضوا العقوبات.. ما يحدث فى أسواق الطاقة حاليا نتيجة سياسات خاطئة لسنوات سابقة”.
وأضاف الرئيس الروسى : “الدول النامية ستتأثر بارتفاع أسعار الغاز العالمية، والسلوك الأوروبى هو السبب فى ارتفاع أسعار الغاز. مستعدون لإمداد أوروبا بالغاز بالكميات المحددة وفقا للعقود، إلا مصير خطى غاز نورد ستريم يجب أن يحدد”.
أمريكا تجبر حلفائها
وأكد بوتين أن الولايات المتحدة تجبر الدول الأوروبية على شراء الطاقة بأسعار غالية جدًا، مشيرًا إلى محاولات أمريكا للسيطرة على أسواق الطاقة فى أوروبا، ورأى أن الهجوم على خط الغاز “نورد ستريم” سابقة، ويهدد البنى التحتية للطاقة.
وقال الرئيس الروسى إن التسريبات فى خطى أنابيب نورد ستريم الممتدين من روسيا إلى أوروبا هى “من أعمال الإرهاب الدولى”، بهدف حرمان الناس من الطاقة منخفضة التكلفة، فى إشارة واضحة للولايات المتحدة التى تسعى لبيع الغاز بأعلى الأسعار لدول أوروبا.
ويقدر المحللون نقص إمدادات الغاز فى أوروبا بنحو 15% من متوسط الطلب فى الشتاء، موضحين أن ألمانيا بحاجة إلى خفض استهلاك الطاقة بمقدار الخُمس تقريبا، مع تداعيات مثيرة للقلق على أكبر اقتصاد فى أوروبا الذى تعتمد صناعته على إمدادات طاقة وفيرة وبأسعار معقولة.
كما أثرت تداعيات الأزمة بشكل واضح على اقتصاد الأسر والشركات، إذ رفعت الشركات الأسعار لتعويض التكاليف الإضافية، مما أدى إلى الضغط على ميزانيات الأسر التى أصبحت مهددة بالبرد والظلام فى الشتاء المقبل.
الحصاد