كيف زهد القرآن في الدنيا/ الشيخ محفوظ إبراهيم فال
” قل أؤنبئكم بخير من ذالكم ”
حين تتزين الدنيا وتتعرض للركون إليها وتساوم على أن تكون أكبر الهم ومبلغ العلم وترى تنافس الراحلين عليها وتسابق المغادرين إليها
فاقرأ عليك وعليهم هذا المقطع من سورة آل عمران ؛
{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير
المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام
والحرث ذالك متاع الحيوة الدنيا }
ثم ارفع صوتك { والله عنده حسن المآب }
ثم ألق سمعك وأشهد قلبك لعرض كريم من رب لطيف رحيم
يخاطبك فيقول ؛
{قل أؤنبئكم بخير من ذالكم }
وليكن لسان حالك نعم ربنا تباركت وتعاليت كلنا سمع
{ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة }
وليس هذا فقط بل هناك المزيد والمزيد { ورضوان من الله
والله بصير بالعباد } { ورضوان من الله أكبر ذالك الفوز العظيم }
فلم يبق إلا أن تعرف لمن يكون هذا
{ للذين اتقوا } ثم اعرف عظمة الجار { عند ربهم }
ومن صفاتهم { الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار }
_ إيمان
_ وجل من الذنوب
_ إشفاق من النار
_ صبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى قدره
_ صدق في معاملته ومعاملة خلقه
_ قنوت أي دوام على الطاعة ولزوم للتبتل
_ الجود والإنفاق
_استغفار بالأسحار بعيدا عن الغفلة والنوم
فهل رأيت هوان ما فتنت به ودون ما شغلت به
ما أجمل أسلوب القرآن وما أبلغ موعظته وما أزهى عرضه
وهكذا القرآن كله يذكر الدنيا ويعرضها في زخرفة وبهرجة ثم يخطف عنها الأبصار ويصرف عنها القلوب بعرض النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ثم يخاطب من استبدل الأدنى بالذي هو خير
{ أرضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } { فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون }
وعلى هذا تربى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا رءا شيئا من الدنيا وأعجبه استعلى عليه وقال ؛ ” اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ” وأي ترفع أعظم من هذا إنه الزهد الاختياري غير المتكلف ولا المصطنع وعلى ذلك ربى الصحب الكرام
فحين جاءت هدايا المقوقس التى أهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان فيه ثوب من حرير جميل عجب الصحابة من حسنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
” أتعجبون من حسنه لمناديل سعد في الجنة خير منه ”
فبين لهم أن أحسن ما عند أهل الدنيا خير منه أدون ما عند أهل الجنة فحين تكون المناديل أفضل من الحرير فحدث عن التباين ما شئت
قيل لمالك بن دينار أيها الزاهد فقال ؛ ” بل أنتم الزهاد زهدتم في جنة عرضها السموات والأرض ” وهذا منطق الصدق فإن زهد أهل الدنيا في نعيم الجنة أصدق عليه الزهد لعظم المزهود فيه .
نفعنا الله بالقرآن ورفعنا ورزقنا الفردوس الاعلى من الجنه بفضل منه ورحمة