كيف نفهم الإسلام … المرأة والإسلام (27) / محمدّو بن البار
أود أن أذكر القارئ الكريم في ابتداء هذه الحلقة بأن لي عنوانين في المقالات وهما : “كيف نفهم الإسلام” وهذا لمن تهمه الحياة السعيدة في الآخرة، و”للإصلاح كلمة” وهذا عنوان موجه لأهل الدنيا لأن الآخرة لا إصلاح فيها كما أوضح ذلك القرآن بكلمة الزجر عن هذا الاحتمال يقول تعالي:{{قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت}} أجيب من الله بكلمة: {{كلا}} معناها مستحيلا.
وبهذا الإعلام أعود إلي مقال المرأة والإسلام:
فالحلقات الماضية قفزت بالمرأة من تكوينها ومساواتها للرجل في ذلك التكوين إلا في الذي لا دخل للإنسان فيه، ألا وهو انفصال مساواة تكوينهم ليكون الجنسين ذكرا وأنثي وتركيب الآلات والعروق وأدوات العلامات المميزة لذلك بعد الميلاد وطول الحياة إلي التساوي الكامل في نهاية الحياة.
ومن هنا أقول لجميع المسلمين الذين يخصهم الاقرار بأن ما في القرآن حق يقول تعالي:{{أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمي}} أن عليهم إدراك أن تبعيتهم للغرب في أي شيء يتعلق بالفرق بين الرجال والنساء سواء كان أيجابا أو سلبا – أن يتبعوا فيه كلام الله لأن الإنسان زمنه قليل في الدنيا بعد ميلاده، وبعد موته لا أثر لفكره فكيف يجيب ربه عن سلوكه المتبع فيه غير كلام الله.
فمثلا من فكر في اختلاف نصيب الميراث وفرض وكيل الزواج علي المرأة ووجوب نفقتها علي أبيها خاصة إذا كان بوسعه ذلك حتى تتزوج، وسترها لجميع جسدها أمام غير محرمها، وحرمة سفرها في غير أمان لها ، ووجوب نفقة الأولاد علي الأب إن كان غنيا، ووجوب الرضاعة والحضانة للأم إذا كانت غير مشغولة عنها بحق زوج آخر، وشهادة المرأتين مقابل رجل واحد في الماليات وعدم شهادتها كلا في الدماآت، إلي آخر المتفرقات البسيطة بين الرجل والمرأة التي لا تصل إلي التفرقة بين خطابهم الشرعي في الدنيا أمرا ونهيا ومساواتهما الكاملة في الجزاء عليها في الآخرة: {{من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن لنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}}.
كل هذا علي المسلمين أن يقبلوه كما هو إلا في مكان منه فيه اختلاف، ففي الاختلاف في الفهم في الدين رحمة للمؤمنين فلا حرمة ما دام القلب مطمئن للبحث عن حكم الله.
فما سطر أعلاه فأظنه هو غالبية الاختلاف، فأي مؤمن أو مؤمنة أراد تعديله بفكره الخاص أو اتبع فيه غير سبيل المؤمنين يقول له تعالي:{{ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا}}.
وكما تقدم وأكررها فإن الحياة مع الفكرة أيا كانت قليلة وبعدها معدومة والله يقول :{{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم}} إلي آخر الآية.
وبعد الخروج من هذا التفصيل في شبه التفرقة في الدنيا بين الذكر والأنثى أعود لأوضح أن هذه المسؤوليات ليس فيها تفاضل إلا في الميراث في حالة محدودة ولكن لا خلاف فيها أو وجوب الوكالة التي فيها خلاف.
وفي كل منهما بحث في سببه لمجرد المعرفة الماواريئة منه – وقطعا موجودة- .
وبعد هذا التحليل وما جاء في الحلقات الماضية من شرح التساوي بعضه في الدنيا وكله في الآخرة، نصل إلي مساواة المخاطبة بالتكليف في فعل الأوامر واجتناب النواهي لتكون بذلك الحلقة الأخيرة في هذا الموضوع:
وأبدأ بالتساوي في النواهي لعمومها فالله يقول : {{وما نهاكم عنه فانتهوا}}، فهنا المساواة الكاملة في النهي وفي العقوبات عليها، فالموبقات السبع وجميع كبائر الذنوب وصغائرها يستوي تحريمها وعقوبتها علي الرجل والمرأة.
فالإشراك بالله وعقوق الوالدين ورمي المحصنات وغيرها من الموبقات السبع وكذلك فعل الكبائر من الكذب والزنا والسرقة إلي آخر كل ذلك محرم بالتساوي علي الجميع وعقوبته موحدة كما في النصوص القرآنية :{{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}} {{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}} إلي آخر ذلك.
وحتى الأمر بالبعد عن أسبابها موحد: {{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}} {{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}}.
وفي كل النشاط الآخر المباح في الدنيا لتحصيل العيش الكريم يستوي فيه الجميع سواء كان شاقا من العمل في الجندية إلي نظافة أي شيء يستعمل في الدنيا.
فأنواع التجارة مباحة وكذلك العمل الفكري إلي آخره، فقد قدمنا أن الله لما لم يوجب نفقة الأنثي إلا علي أبيها قبل زواجها فإذا كان الأب ميتا أو طلقها زوجها فهي مسؤولة عن نفسها سواء كانت أما أو أختا أو أي قريبة أخرى.
ومعني ذلك أنه لم يتركها عند فقدان المنفق للضياع فقط، فأمرها في ذلك كله بما أمر به الرجال بالابتعاد عن الشبه بغض البصر إلي آخره.
أما الواجبات بما فيها السنن والمندوبات وكل أفعال الخير، فكذلك جاءت بالتساوي في آية واحدة ذكر فيه الجميع بعطف هذا الوجوب بعضه علي بعض بين الذكر والأنثي يقول تعالي:{{إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات}} إلي قوله:{{والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}}.
أما الأجر في الآخرة علي العمل الصالح فكم من آية نزلت بمساواته يقول تعالي:{{من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}}.
وبما أن الله خلق هذه الأنثى ليسند إليها خصوصيات قد يضعفها القيام بها عن القيام بالأوامر فإن الإسلام في وحييه القرآني والسني قد أوصي بالرفق بهن أثناء حياتهن، فأوصي الأزواج بهن يقول تعالي:{{ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}} ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم :(( استوصوا بالنساء خيرا)) إلي آخر الحديث.
أما النظرية العامة للأنثى كأنثى فإن القرآن والحديث الصحيح جاء في كل منهما الإشادة بأفعال النساء بعضه فعلهن كمسلمات وذكر تميزهن مثل مؤازرة خديجة للرسول صلي الله عليه وسلم، وفكرة تجارتها التي بدأ الرسول صلي الله عليه وسلم بمزاولة مهنة التجارة في أول حياته، وفي الجهاد ذكر الرسول صلي الله عليه وسلم بأنه يوم أحد لم يلتفت إلي أي جهة إلا ورأي أم عمارة نسيبة بنت كعب وهي تقاتل عنه وثبتت مع الذين ثبتوا معه من غير أن يعترض علي ذلك بأنها عرضت نفسها للخطر إلي آخر الممدوحات من أمهات المؤمنين وغيرهن.
وقد أثني الله علي امرأة فرعون التي لم تشارك فرعون في بطشه مع أنها زوجته وطلبت من الله أن يبني لها بيتا في الجنة مع علمها أنها زوجة طاغية.
أما في الحياة العامة للنساء فذكر ملك ملكة سبأ وقيامها بمسؤوليتها القيادية فلم يذكر إلا دورها هي في هذه القضية وديمقراطيتها ونظرها السديد في معالجة الموضوع.
فهي التي استلمت رسالة سليمان عليه السلام وقرأتها علي الجميع وطلبت رأيهم مؤكدة أنها لا تفعل إلا بمشاورتهم وجاء الجواب من قادة القوات المسلحة أنهم تحت أمرها بقوتهم المعهودة.
فمن تأمل القصة وما يفهم من فحواها يتيقن أن الإسلام لم ينكر القيادة العامة للمرأة فما دون ذلك، أماحديث : (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة) ففيه من العموم (إذا صح ) ما يمكن أن يخصص ألفاظه إلي غير المتبادر فيه.
وفي الأخير : فإن علي كل مؤمن ومؤمنة ألا يتردد في أخذ القرآن وأحكامه ونصوصه وإشاراته وانفراده بالمؤاخذة علي الفعل والترك بقوة يقول تعالي:{{فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك علي صراط مستقيم}}.