آراء وتحليلات

كيف نفهم الإسلام (26) المرأة والإسلام (3) / ‏محمدو بن البار

في المقال الأعلى كنا مع الرجل والمرأة في الآخرة للاطلاع على مدى مساواتهما في الاخرة لنجد أن الكلمة التي تجمعهما في العربية في جزائهما – لأن الآخرة ليس فيها إلا الجزاء-  سواء كانت اسم موصول أو اسم إشارة أو أي خطاب موصوفين به في الآخرة يكون في كلمة واحدة لا تفرق بين إنسان وآخر مثل : {{من عمل صالحا من ذكر وأنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}} إلي آخره ،{{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}}، {{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا }}.
وفي التفكير عن السبب يتبادر للكاتب عن الموضوع أن الإنسان في الآخرة لا يتعلق به أي مهمة خاصة به لأن هناك الجزاء فقط، إما شقي أو سعيد:{{فأما الذين شقوا ففي النار}}، {{وأما الذين سعدوا ففي الجنة}} وهكذا.
وهذا يدل على وحدة الاوامر والنواهي في الاسلام للرجل والمرأة.
والآن نعود بالرجل والمرأة إلي الدنيا لنتذكر متي يلتقي خطابهما ومتي يفترق ؟
فنجد “أولا” أن الإنسان أي الرجل والمرأة ليس لهما أي دخل في وجودهما علي الأرض وإنما هو تصور الواقع بعد الوقوع فقط.
فنجد أن الرجل خلقه الله بيديه وبعد ذلك خلق منه المرأة بمعني أن الرجل سبق المرأة للوجود، وأن المرأة خلقت للرجل ليسكن إليها بمعني ليبدأ بينهما حتمية سكون بعضهما إلي بعض لمراد الله بما سيقع بعد هذا الميلاد.
وبعد الميلاد الأول أعلاه تسلسل الميلاد من غير تدخل أي أحد، فالمرأة هي التي تتولي بالرغم منها قضية الحمل والولادة والرضاع والحضانة إلي آخره، وأن الرجل يتولي الإنفاق علي الجميع حتى علي الرضاعة وهكذا.
ولكن لا تبدأ هذه التفرقة إلا بعد أربعة أشهر من وصول النطفة من الرجل لتلتقي مع ما عند المرأة من الاستعداد الفطري فيها للإنجاب مكانا وتفاعلا معه إلي أن يأتي الوجود.
وبعد التوحيد الكامل لبداية وجود النطفة وإلي تفرقة تكوينهما بعد الأشهر الأربعة لا تدخل لأي إنسان في أي موضوع لا شرقيا ولا غربيا ولا حقوق إنسان ولا صاحب جرائم.
وهنا تبدأ التفرقة الأولي بعد الاتحاد المطلق.
فالتفرقة الأولي هو التصور في الأرحام كيف يشاء الله ف{يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا} أي يجعلهم زوجين الذكر والأنثى {ويجعل من يشاء عقيما} في الطرفين.
ونؤكد هنا أن لا دخل لأي أحد في توجيه هذا التكوين لا في نوعه ولا في شكله الداخلي ولا في خصوصية كل ما يراد من الإنسان أن يخلق صالحا له.
فمن له قدرة علي التدخل من أي منظمة في الدنيا تهمها الحقوق والمساواة فلتتدخل هنا لتجعل لكل من الرجل والمرأة “كوتات” من خصوصيات المرأة وخصوصيات الرجل فتنشئ في الرجل ما يتناوب به مع المرأة علي خصوصياتها التي تضعفها ولا بد قدرا من الزمن وتدخل فيها الخطر، وعلي كل حال فهي تحمل الجنين وهنا علي وهن لا يمكن مساعدتها داخليا من هذه الخصوصية.
وهنا بالضبط يبدأ عدم المساواة في تأدية أدوار الإنجاب وما يتطلبه من أدوات وأشكال خاص بالمرأة نزلت إلي الأرض في تكوينها عملا وعقليا وعضليا ومرضا إجباريا إلي آخره، فماذا فعل الإسلام هنا ؟
أولا : حرم الاتصال بين المرأة والرجل إلا عن طريق عقد لا يمكن للرجل التخلص منه بل مسؤوليته فيه تطارده أينما ذهب إجباريا، وليسمع ذلك من يريد للمرأة الحرية في أي اتصال غير شرعي ولو بإرادة الطرفين، فذلك يبيح للرجل حرية ترك النطفة في المرأة تتفاعل مع مشتقاتها لتصل النطفة إلي الاكتفاء الذاتي وتذهب بالحرية أيضا إلي أين شاءت كل علي حساب المرأة المريضة.
وهنا كما قلت مقابل استمتاع الرجل بطبيعته الغريزية التي ينشأ عنها الولد ألزمه الإسلام بأن يتولي المتاعب المادية إلي أن يبلغ الطفل وتتزوج المرأة ويدخل بها زوجها.
ألا فلتسمعوا محاولة فهم الحكمة البالغة لافتراق هذه المسؤولية بين الطفل أو البنت فنفقة الولد تتوقف عند البلوغ لأنه لا مانع له من أي تكسب لا مرضا إجباريا يلحق النساء خاصة ولا بحثا واستعدادا يشبه الانشغال الكامل عن الاكتساب، ولئلا يؤدي بحث التكسب هذا إلي الوصول إلي الجانب الممنوع وهو وجود ابن لا يعرف أباه.
فألزمت الشريعة الأب الذي جرب التكسب علي الانفاق علي البنت حتى يدخل بها الزوج، فعند بينونتها منه هذه إلي بيت زوجها أصبحت شخصا آخر يتحمل مسؤوليته.
ومع ذلك كله لم يمنع البنت من التكسب قبل الزواج مع تأمين نفقتها من أبيها بالوجوب إذا احتاجت، فيمكن أن تتولي عن أبيها تحت رعايته أن تدير الأعمال المدرة للدخل فلا حرج عليها في الحاصل من عملها، ومالها في هذه الحالة لنفسها مع بقاء تأمين الإنفاق إذا احتاجت له كما هو أعلاه.
أما بعد دخول الزوج بها وأخذها لحقها وجوبا خاصا لها بالتمتع بها من طرف الزوج، فعندئذ لا تجب نفقتها لا علي أب ولو غنيا ولا علي زوج مطلق طلاقا بائنا ولا علي أخ ولو غنيا بمعني أنها هي وأخوها يتساويان هنا في تحملهما لنفقتهما.
وهنا أنادي لكل من يمنعها من أي عمل رضيت به واستطاعته مدنيا أو عسكريا عضليا أو فكريا إلي آخره، أن يوضح من أين جاءت مقولة (المرأة من بيتها إلي قبرها ) ؟ ففي هذه الحالة من ينفق عليها أو القائل لا يدرك أن التشريع الإسلامي صادر من حكيم حميد، ولو اجتالت عنه الشياطين مرضي القلوب من المسلمين لإبرار الشيطان لقسمه أمام الله: {{ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم}} إلي قوله :{{ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا}}.
فهذه الحالة هي التي بين أيدينا  التي عذبت فيها امرأة بسبب هرة لم تطعمها ولم تتركها تـأكل من خشاش الأرض، فما بالك من قتل نفسا صرح القرآن أن من قتلها فكأنما قتل الناس جميعا إلي آخر الآية.
هذا ملخص متي تتفق المسؤولية والواجبات بين المرأة والرجل ومتى تختلف.
وأكرر القول هنا بأن كلام أي إنسان في هذا الموضوع إذا كان موافقا لما جاء في الشرع فهو مجرد تصوير لما هو واقع وإن كان مخالفا للشرع عمدا يقول تعالي :{{ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}} ، {{إن الذين يلحدون في ءاياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقي في النار خير أم من يأتي ءامنا يوم القيامة}} إلي آخر الاية.
وهذا ينطبق علي كل تشريع أنزله الله واجتال الشيطان عنه حكام المسلمين الذين يعنيهم وحدهم وجوب الحكم بما أنزل الله بمعني الأمر بالحكم بما أنزل الله وتنفيذه من طرفهم.

والآن لنا عودة إلي قضية المرأة في الإسلام لنصل إلي تساويها مع الرجل في توجيه النهي إليهما بالابتعاد عن ما حرم الله عليهما وتفصيل ذلك بإذن الله.
وإلي الحلقة القادمة إن شاء الله.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى