آراء وتحليلات

الميزان/ محمد فال بلال

في التراويح الليلة، وقفت بشكل خاص عند الآية (9) من سورة الرحمن: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ.
وكنت قد وقفت قبل ذلك عند قوله تعالى في سورة الإسراء: “وأَوْفُوا الْكَيْل إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم”. وقبل ذلك في سورة الأعراف على قوله جل من قائل: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ..
قلت في نفسي : اللهم يا لطيف الطف بنا ، والطف لنا، وقدر لنا من ألطاف لطفك ما تقوّم به عوج أنفسنا، وتصرف به عنا سوء ما بنا من طغيان في ميزان الكلام والأحكام. واكفنا يا ربنا شر التعميم والمبالغة والنفخ في الكلام. الله تبارك وتعالى وضع الميزان لكل شيء، وألزمنا الوزن بالقسط في كل شيء. الميزان حسي في أسواق القمح والدقيق والأرز وسائر الحبوب و الماديات، ومعنوي في أسواق الكلام والمساجلات والمقاربات.
توقفت عند هذه الآيات شعورا مني بحاجتنا جميعا إلى الاعتدال والوسطيّة في مقاربة الأمور والحكم عليها بالقسط حتى لا نخسر الميزان. ويتجلى خروجنا عن ميزان العدل وإهمالنا له في كل شيء. ومن أمثلة ذلك، الكأس في نظرنا إمّا أن تكون ممتلئة تماما وإمّا أن تكون فارغة تماما. والسياسات في تصورنا إمّا أن تكون جيدة تمامًا و إمّا أن تكون سيئة تماما، والشخص عندنا إمّا أن يكون صالحا وإمّا أن يكون.. لا نفصل بين الكليات والجزئيات، ولا نعتبر نسبية الأشياء. لا نعرف الوسط، ولا نقيم الوزن بالعدل عندما نكيل الكلام، أو نصدر الأحكام. و لذلك، نادرا ما تخلو خطاباتنا في السياسة أو في أي مجال من المجالات من عبارات: “مائة بالمائة”، “مائتين بالمائة”، “إلى أقصى حد”، “لأول مرّة”، “غير مسبوق”، “نهائيا”، “إلى الأبد”، “النير”، “المستنير”، “الفاشل”، إلخ… وبهذا التهويل والمبالغة نبحث عن الإثارة وشد اهتمام المتلقي. عندما يتحدث أحدنا أو يكتب يخال إليه أنه ينطق بالحقيقة المطلقة التي لا شك فيها. وهو لا يدري أن الاعتدال مطلوب، وأن الوسطية تبقى كثر إقناعًا للناس، وأقرب لقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَان
جزى الله من دعا لي بخير


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى