العرب، واللحظة الأُوكرانية / بقلم: محمد عمر غرس الله
تبدو اللحظة الاوكرانية حاسمة ومهمة في تفسير ما يجري عالميا من صراع وتنافس، وخاصة فيما دأب الغرب وآلته السياسية والإعلامية على تسميتها، (المجتمع الدولي، والقطب الواحد)، وتجليات ذلك على السياسة العالمية، رغم التساؤل حول لمن تحسب إيجابية هذه اللحظة، لروسيا ام لحلف الناتو، أم هي لحظة تاريخية لأوكرانيا، فالغرب يحرك قواته على مشارف موسكو ويتقدم هناك بحجة الدفاع عن أوكرانيا وما يسميه نوايا روسيا لإحتلالها، الأمر الذي دفع روسيا تدريجياً إلى الزاوية، فوجدت نفسها مجبرة على تحريك قواتها وقاذفات صواريخها، فلم يعد لديها امكانية خطوة للوراء فالناتو يطرق فعلاً على الباب الروسي بساسته ومخابراته وصواريخه.
هذا الأمر ليس بعيدا عن العرب، فمسرح ظهور وتجلي سطوة هذا (المجتمع الدولي والقطب الواحد) – كانت في الكثير من عربدتها – على أرض العرب وعلى دمائنا واجساد اطفالنا ونسائنا، وبنهب خيراتنا ومواردنا أرصدتنا ومخزون الذهب لدولنا، تجلي ذلك في غزو العراق عام 2003م، ونهبه وتحويله لماساة، وشن الحرب على الشعب السوري منذ عام 2011م وتدمير مدنه وقراه ومزارعه ومصانعه وسرقتها وتهجير 7 مليون إنسان، وتدمير ليبيا عام 2011م، ونهبها وتخريبها وتفكيك وحدتها، وبشكل أخر نهب ترامب ما يزيد عن 500 مليار دولار في زيارة صاخبة لمدة يومين فقط للرياض.
فهذه اللحظة الأُوكرانية، تبدو ذات علاقة مباشرة بالعرب، حيث ثمة خط واضح يبين هذه العلاقة، وجب علينا رؤيته وفهم هذه اللحظة، من كل زوايا النظر، فهذا الناتو الذي يحشد قواته هناك، وهذه أوروبا، وهذه الأميركا، لاعبون أساسيون فيما جرى ويجري على أُمتنا منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وتصاعد الأمر مع إنتهاء الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفييتي عام 1990م وما أحدث هذا من أثار عالمية وعلى العرب خصوصاً، هذه التفكك وازاه تسيد للحركات الشعوبية والأنظمة الموالية للغرب، وتراجع الحديث عن القومية العربية، ووحدة العرب ووحدة إرادتهم السياسية، وتفكك العقد العربي فيما بين صراع الإرادات عربياً، وتقاطعت مواقف العرب – على بعضهم البعض – بوضوح كامل وبدون مواربة في حرب شوارزكوف 1990م على العراق بمشاركة مصرية وسورية عسكرية، وطبعاً دعم مالي كامل ومشاركة خليجية بكل التفاصيل فيها، وفيما بعد إحتلال الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003م، وتجلت أيضاً في الحرب على ليبيا 2011م، فالجامعة العربية – بالسطوة الخليجي – هي التي إحالت ملف ليبيا إلى مجلس الأمن، الذي سلمه للناتو وتحالف 40 دولة من بينها دول عربية (الإمارات – قطر – الأُردن – تونس – السودان) وصمت باقي الدول العربية وتفرجها على الحملة الشرسة على ليبيا والليبيين، وتجلي ذلك أيضاً في الحرب الدولية الغربية على سوريا، بكل آلة الحرب لحلف الناتو، وحشد مايزيد عن 150 الف إرهابي وإدخالهم لسوريا عبر (الحدود الأردنية، والحدود العراقية كردستان، والمنافذ التركية)، وبتمويل خليجي مفتوح وضخم.
أن هذه اللحظة الأُوكرانيا بالنسبة للعرب، لحظة فارقة، في الوعي بما يجري، وما جرى على أمة العرب كمسرح لتجلي (القطب الواحد وما يسمونه المجتمع الدولي) الذي إستباح العرب – قتلاً وقصفاً وهيمنة من بغداد إلى طرابلس الغرب مرورا بدمشق وحلب – للذين إكتشفوا انهم كانو مطية، وبردعة، وبوق للعبة الدولية وهذا المجتمع الدولي، وأيضاً من جهة أخرى للذين قاوموا وحاولوا بما إستطاعوا المقاومة والدفاع، بالقتال او بممارسة الوعي الفارق وسط ضجيج إلة الحرب والإعلام لحلف الناتو واللعبة الدولية القذرة وإمكانياتها الضخمة دوليا.
ان اللحظة الأُوكرانية تعبر عن القطرة التي أفاضت لحظة اليقضة الروسية مما جرى لها بعد إنتهاء الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفييتي، وإستباحة الغرب لمفاصل الدولة الروسية بسيطرة المخابرات الغربية وتغلغلها في مفاصل الدولة كما تحدث الرئيس بوتن بمرارة عن ذلك ذات مرة، هذه اليقضة الروسية ليست فقط حالة رفض فورية، بل هي تراكم عمل، وتراكم وعي، وتراكم شعور وإحساس قومية وسيادة وطنية ومجال حيوي، عمادها الإقتصاد الناهض، والقوة العسكرية والإنتاج الحربي، والقيادة المدركة لما يجري من خطوات من حولها، هذه اللحظة التاريخية التي لا يسميها الغرب (حلف الناتو) اليوم شيوعية، ولا مكارثية لديه ليجتث المتعاطفين معها، ولا يجد لها قميص، غير ملء الفضاء السياسي والإعلامي العالمي على أن روسيا ستبتلع أُوكرانيا وحدد حتى توقيت ذلك.
أن هذه اللحظة الأُوكرانية بالنسبة للعرب ليست مجرد فكرة ولكنها مثال يمكن القياس عليه بإختلاف الزمان والمكان، فالمشاعر القومية وإرادة الأُمم، لا تموت، لربما تهزم في لحظة ما او جولة من جولات التاريخ، لكنها لا تموت ولا يمكن وأدها، ولا يستطيع أحد قتلها مهما فعل، فهذه أُمتنا قد تم غزوها وإستعمارها لسنوات طويلة في القرن الماضي، لكن روح الإرادة فيها بقت حاضرة، وتمظهرت في أول فرصة بعدما حصل التراكم المعرفي والنضالي، والعمل والتنظم، وتجاوزت الإستعمار وأجلته وطردته، وبدأت محاولتها الأُولى في العصر الحديث للنهوض، ورغم إنها لم تحقق كل المطلوب لكنه تجربة مهمة وتراكم سيبقى حاضراً يبنى عليه، رغم المحاولات الحثيثة لتجريمه وتحقيره والحط منه، لكنه سيبقى حاضراً للأجيال تبني عليه وتنسج على منواله، وتتخذ منه قدوة وتجربة وتراكم، سيصل حتما بالقطرة التي تفيض كأس اللحظة التاريخية يوماً ما يورنه مستحيلاً وبعيداً ونراه ممكناً وقريبا وحتمياً بعون الله تعالى.
فإذا ما عرفنا أن اللحظة التاريخية التي تجددت فيها الإمبراطورية البريطانية – بعدما خسرت رهانها التاريخي بالإستمرار – كانت عبر مدخل بروز الدور الأمريكي والتي به استعادت نفوذها او فلنقل تحت جناحه وبالتشارك معه، ها هي اليوم اللحظة الأُكرانية تعطي لروسيا الفرصة والتجلي، لإستعادة الدور والإعتراف بالمكانة، او فلنقل هي محاولة جادة لتحقيق ذلك، فهل يحصل العرب على لحظتهم التاريخي لتمظهر الدور والمجال الحيوي؟، او فلنقل هل ثمة فرصة للخطوة الأولى في الوعي بالعمل لتحقيق اللحظة التاريخي في عصر الميقا إمبريالية؟ ـ فقد كنا جربنا لحظتنا التاريخية من نصف القرن الماضي بتراكم مسيرة حركة التحرر العربي الذي توجه رجال الأُمة في 23 يوليو 1952م وما تلاها من حركات وطنية عربية في إستقلال الجزائر واليمن والتغيير السياسي الذي حدث أنذاك في ليبيا والعراق وسوريا وباقي بلدان الأُمة، التي طردت الإستعمار وحققت الإستقلال وأممت النفط والموارد الوطنية، كمعبر وتدرج وتمظهر إرادة سياسية وإستقلال سياسي وإقتصادي، وهل نحتاج – بالنظر لواقعنا اليوم – إلى حدث فارق يصنع هذه اللحظة ويفجر جثوتها، أو على الأقل يصنع الخطوات الأولى لتجليها التدريجي ولو بعد حين، يقول الشاعر:
أمّة العُربِ لنْ تموتَ وإنّي … أتحدّاكَ باسمِها يافَناءُ