حول عقد تزويد البلاد بالوقود ومشتقاته / سيد أحمد ابوه
تناولت بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، أخبارا ومراسلات من شركة اسنيم إلى شركة ADDAX ENERGY، صاحبة العقد المبرم مع موريتانيا لتزويد البلاد بالمنتجات النفطية السائلة، تتعلق بمطالبة اسنيم المزود بدفع 33,4 مليون دولار كغرامات تأخير عن تسليم بعض الشحنات في الآجال التعاقدية، برسم عقد العامين الماضيين، وذلك بعد أن قامت اسنيم بسحب ضمان مالي ب 20 مليون دولار عن غرامات التأخير لسنتي 2020 و 2021 (المبلغ كضمانة بنكية تم سحبه من طرف اسنيم وكان ينبغي حجزه في حساب مؤقت)، ورسالة موجهة من وزير البترول والطاقة والمعادن إلى رئيس مجلس إدارة اسنيم يطلب فيها عقد اجتماع عاجل لمجلس إدارة الشركة للتراجع عن مطالبة المزود بدفع غرامات التأخير آنفة الذكر، وقبل تناول هاتين الرسالتين بالتحليل من المهم التذكير بسياق هذا العقد ومساره ونظامه التجاري والمسؤوليات المترتبة على أطرافه.
سياق عقد تزويد البلاد بالمنتجات النفطية:
لا يساعد حجم السوق الموريتاني الصغير جدا في جذب متنافسين كبار لتزويد البلاد بهذه المادة الحيوية، فنحن نستورد سنويا مليون طن من المنتجات النفطية السائلة (الوقود الثقيل، الكيروزين، البنزين والمازوت)، وندفع من أجل ذلك مبلغا يناهز المليار دولار، وقد كانت عقود التزويد تبرم خلال الفترات الماضية لمدة ثلاث سنوات، وفي سنة 2016 تم التعاقد مع المزود الحالي (ADDAX ENERGY) على أساس عقد يغطي سنتين تم تجديده لنفس الفترة مرة واحدة، قبل أن تتمكن السلطات في سنة 2020 من تقصير أمد الفترة التعاقدية مع نفس المزود لتغطي سنة واحدة، ما قلل هامش المخاطرة في البنية المالية للعقد، وتم تجديده وفق الصيغة الجديدة مرة واحدة، في ابريل 2021 لسنة تنتهي بعد ثلاثة أشهر من الآن.
مسار التعاقد:
يتم التعاقد مع المزود عبر مناقصة دولية تشرف عليها اللجنة الوطنية للمحروقات، ويتم توقيع العقد من طرف اسنيم وصوملك وتازيازت وام سي ام وتجمع الصيد والمسوقين الخصوصين (علامات محطات الوقود التي تنتشر في البلاد)، وتتولى اسنيم بحكم حجم استهلاكها رئاسة الفريق، حيث تُحرّرُ الضمانات المالية عن الوفاء بالعقد باسمها ولشركة اسنيم كما لغيرها من أعضاء الفريق حق المطالبة بتعويضات بعنوان غرامات التأخير، كما لها ولغيرها أن تُفعِّل الضمانات البنكية الموجودة بحوزتها لضمان حصولها على دفع غرامات التأخير، والتي تصل في العقد الحالي مائة ألف دولار عن كل يوم تأخير.
ولحساسية هذه المادة وارتباطها بمختلف مفاصل الحياة والاقتصاد، تتولى الدولة عبر وزارة البترول والطاقة والمعادن (المديرية العامة للمحروقات) متابعة تنفيذ هذا العقد والمتابعة اليومية لتطور المخزون الاحتياطي، والذي لا يمكن أن يقل عن 42 ألف طن بالنسبة للوقود الثقيل و 80 ألف طن بالنسبة للمازوت.
النظام التجاري للعقد ومسؤوليات أطرافه:
تمكن المزود في يوليو 2020 من تعبئة قرض ب 200 مليون دولار من تجمع مقرضين من ضمنهم البنك الدولي (IFC) ويقودهم Société Générale قصد الوفاء بالتزاماته اتجاه السوق الموريتاني.
يلتزم المزود بضمان توفر شحنات كافية بموريتانيا للاستهلاك حسب المعدل اليومي على أساس تقديرات الفترة السابقة المضمنة بملحق العقد وذلك دون المساس بالمخزون
الاحتياطي الذي تتابع الدولة وضعيته بشكل مستمر كما يلتزم المزود بتلبية أي طلبية من أحد المتعاقدين على أن يفي هذا الأخير بالتزاماته المالية بفتح اعتماد مستندي (crédit documentaire) عبر البنك المركزي أو بالسداد عبر التحويل المباشر بالنسبة لاسنيم وللمتعاقدين الأجانب (تازيازت وغيرها) لتوفرهم على سيولة من العملة الصعبة بحساباتهم الدولية. ولضمان جودة الشحنات ومطابقتها للمواصفات الدولية المضمنة بدفتر الالتزامات تتولى الدولة عبر شركة SOMIR التابعة لوزارة البترول فحص عينات الشحنات المستلمة والتأكد من مطابقتها قبل الترخيص بتسليمها.
تحليل رسائل اسنيم والوزارة:
ملاحظات حول رسالة اسنيم وسياقها:
أولا: من المعروف أن العقود وُجِدت لتُحترم، فالعقد هو شريعة المتعاقدين حين تطل الخلافات برأسها ويلجأ الطرفان للقضاء لحسم خلافهما، وقد قامت اسنيم عبر رسالتها بتاريخ 26 ابريل 2021 بمطالبة المزود بتسديدها مبلغ 33,4 مليون دولار، برسم غرامات التأخير حسب البنود التعاقدية، ومما فات على اسنيم وعلى المواقع وبعض الإعلاميين أن الرقم الصحيح لحاصل ضرب أيام التأخير بمبلغ الغرامة اليومية هو 35,4 مليون دولار وليس 33,4 مليون دولار كما ورد في جدول البيانات وفي رسالة اسنيم آنفة الذكر، فأين ولماذا اختفى مليوني دولار من حساب المطالبة!!! هذا لا يهم فهو في تقديري يعكس مستوى من الإهمال في بعض مفاصل الإدارات والمؤسسات والشركات العمومية ولقد حان الوقت لأن نأخذ الأمور على محمل الجد حين يتعلق الأمر بالشأن العام إذا كنا نريد من الآخر أن يحترمنا قبل أن نطالبه بمستحقات.
ثانيا: المبلغ الذي طالبت به اسنيم المزود يعادل مداخيل الشركة من تصدير خامات الحديد لمدة أسبوع واحد (بمعدل إنتاج سنوي قدره 13 مليون طن وبسعر الحديد تركيز 62% ليوم أمس عند 132 دولار للطن) فهل قدرت اسنيم مخاطر تعطل الانتاج لأسابيع أو شهور حين تدخل في نزاع قضائي أو تحكيمي مع المزود وهو نزاع سيأخذ وقتا لا تتحكم الأطراف فيه؟؟
ملاحظات حول رسالة الوزارة:
صحيح أن الشعب لم ينتخب الوزراء ولكن هؤلاء تم تعيينهم من طرف جهة منتخبة، شرعية ومشروعة (رئيس الجمهورية) وهم مفوضون بالتالي بإعمال سلطة تقديرية في إطار ممارسة مهامهم -طبعا تحت سقف دستور وقوانين الجمهورية- وهنا تتنزل رسالة وزير البترول بتاريخ 19 نوفمبر 2021 وهو المسؤول عن تأمين تزويد البلاد بسلعة يرتبط بها الاقتصاد والنقل والغذاء والكهرباء والماء. وفيما يلي ملاحظات موجزة يمكن أن نوردها بخصوص هذه الرسالة:
أولا: لم يتصرف الوزير خارج صلاحياته بخصوص ضمان تنفيذ عقد التزويد والحيلولة دون نزاع مع المزود قد يعصف بإمدادات البلاد،
ثانيا: لم ألاحظ في الصفحة الثانية من رسالة الوزير وتحت توقيعه أي توزيع للرسالة إلى الوزير الأول والوزير الأمين العام للرئاسة وتلك آلية متعارف عليها لضمان تنسيق جيد للعمل الحكومي ولا تستثنى منها إلا مراسلات الوزراء الموجهة لإداراتهم المركزية.
ثالثا: ربما كان من الأنسب دعوة اسنيم وصوملك إلى تخفيض مطالباتهما للمزود كبادرة حسن نية، ودعوة الأخير للتفاعل إيجابيا بدل تمكينه من إلغاء كل المطالبات المترتبة عليه، ولكن ذلك كله يدخل في إطار السلطة التقديرية للوزارة حول المخاطر التي يمكن أن تتهدد عملية تزويد البلاد، وللوزير الحق في إنفاذ ما يترتب على تلك السلطة التقديرية خاصة أن وضع الشركتين بالنسبة للمطالبات ليس جيدا بالمرة حين يتم عرض الملف كنزاع أمام قضاء دولي أو هيئة تحكيمية فاسنيم سحبت الضمانات البنكية بقيمة 20 مليون دولار وكان عليها حجزها في حساب مؤقت بدل استخدامها كما أن صوملك لاقت مشاكل مع البنك المركزي سنة 2020 بخصوص فتح الاعتمادات المستندية للتزود بالوقود فطلبت من المزود منحها اعتمادا مفتوحا لشهر على أن تقوم بتسوية المبالغ المترتبة عليها ولكن ذلك لم يكن مضمنا بالعقد وأمام تعطل بعض محطاتها عمدت على سحب شحنات من الوقود المُخزّن بانواذيبو بما قيمته 17 مليون دولار وهو ما اعتبره المزود سطوا على منتجاته خارج القانون فالسلعة المخزنة بانواكشوط وانواذيبو تظل ملكية للمزود إلى أن يتم فتح الاعتماد المستندي الخاص بكل طلبية.
رابعا: موريتانيا تبيع للمتنافسين في صفقات عقود التزويد معلومات غير دقيقة حين تعلن أن الطاقة التخزينية بالبلاد هي 450 ألف طن، والحال أن تقادم منشآت التخزين في انواكشوط (في الخدمة منذ عقدين) وفي انواذيبو (في الخدمة منذ ثلاثة عقود) جعل الطاقة التخزينية الحقيقية بالكاد تصل 200 ألف طن، وهذا معطى لا ينبغي التقليل من شأنه لخطورته حين يتم التنازع أمام القضاء. هذا الإشكال المرتبط بضعف الطاقة التخزينية هو ما يجعل المزود أمام أحد أمرين فإما أن يُبقي بشكل دائم سفينة شحن بعرض البحر قبالة موريتانيا مستعدة للتفريغ في أي لحظة وهذا ما ستكون له تبعات كارثية على السعر (المرتفع أصلا) بسبب رسوم الانتظار (les frais de surestaries) وإما أن يظل وفق الصيغة الحالية للتزويد حسب ورود الطلبيات تباعا وهذه الصيغة مع ضعف الطاقة التخزينية تجعل المزود عرضة لتأخير بعض الإمدادات عن موعدها بسبب أي طارئ مرتبط بالمناخ أو بهيجان البحر أثناء الرسو.
مقترحات لاستقرار الإمداد:
لا بد لموريتانيا أن تضمن لنفسها إمدادات مستديمة بما يقلل من إكراهات التزود من السوق العالمي وفق الصيغة الحالية المتبعة منذ عقود ولن يتأتى لها ذلك إلا عبر أحد حلين:
الحل الأول: مواصلة التزود من المزود الحالي لسنة واحدة إضافية حتى لا يحدث فراغ في سلسلة الإمداد وريثما تقوم السلطات بتوظيف علاقاتها الديبلوماسية المتميزة مع البلدان العربية النفطية (الجزائر وبلدان الخليج) لضمان عقد تزويد دائم وبكلفة أقل.
الحل الثاني: أمام استحالة أو تعقد الحل الأول فمن مصلحة موريتانيا التنسيق مع السينغال ومالي حول عقد ثلاثي مع مزود واحد ما سيضمن شروطا تفاوضية ومالية أحسن بالنظر إلى أن حجم الشحنات سيتضاعف عشر مرات.
أخيرا من المهم جدا أن نحذر من السقوط في فخ حروب الوكلاء التجاريين الناشطين في عالم التزويد بالمحروقات، ذلك أن المزود الحالي لتوفره على منصة تخزين في لاس ابلماس، أصبح يتمتع بميزة تفضيلية جعلت منافسيه مقتنعين أن ليس بإمكانهم الحصول على العقد الموريتاني، إلا إذا تم دفع الطرف الموريتاني والمزود الحالي للدخول في نزاع ما سيبرر إقصاء هذا الأخير من المنافسة ليخلو لهم الميدان، أيضا ينبغي أن نحذر من التعامل مع الوسطاء، موريتانيين كانوا أو أجانب، فلهؤلاء عمولات لابد وأن تؤثر على بنية السعر، كما أن لهم مسلكيات لا تحترم قواعد الشفافية وتُعرِّض الموظفين العمومين إلى مخاطر الوقوع ضحية الرشوة، وما لذلك من أثر كارثي على العقد واستفادة البلاد منه.