الأخبار

أول رد فقهي على تدوينة السالكه منت احميده المثيرة

كتب الدكتور أبو سهلة سيدي أحمد :

على السريع.
قبل قليل اتصل بي أحد الإخوة النبهاء – وهو الأخ ابهاه ولد أحمد ولد يوسف – طالبا أن أرد على من يشكك في العدة؛ ويطالب بإلغائها…
فقلت له: أنا في المطار الآن مسافرا؛ ؤلان اعل امراكيب الرد ولا حتى التأمّل؛ ولم أقرأ أصلا التدوينة؛ ولعل بعضهم رد عليها
ومع ذلك أجبتُه بما تيسر ؛ وملخصه:

1- أن إيجاب العدة حكم قرآني؛ والتعليل بأن المقصود بالعدة براءة الرحم منزع فقهي ظني؛ ومن غير المعقول ومن غير المنقول أن نترك حكما قرآنيا قطعيا كليا بسبب تعليل ظني جزئي؛ لأهله الذين استنبطوه الأجر -إن شاء الله – سواء استوعبوا مقاصد الشرع كاملة في العدة أو غاب عنهم بعضها.
وغاية الأمر أن الفقهاء – أو بعضهم على الأصح – عللوا حكم إيجاب العدة ببراءة الرحم؛ لكنهم لم يقولوا إنه لا توجد علة أخرى؛ أو أن هذا التعليل قطعي لا يوجد غيره!

.

ومما قرّره الأصوليون – وأبدع فيه الشاطبي – أن العلة إذا عادت على أصلها بالإبطال بطلت؛ فلو فرضنا وتماهينا مع هذا الرأي القائل: إن المقصود من العدة هو براءة الرحم فقط؛ وأردنا من خلال هذا التعليل أن نلغي العدة إذا أثبت الفحص أن الرحم خالٍ من أي شيء لكان إعمال العلة – براءة الرحم – مؤديا إلى إبطال الأصل الذي هو إيجاب العدة؛ والعلة إذا عادت على أصلها بالإبطال ألغيت عند نفس الفقهاء الذين اكتشفوا أن العلة هي براءة الرحم!

.

لذلك لو كان الفقهاء يظنون أن هناك من سيأتي ويستعمل تعليلهم هذا في غير محله؛ ويدخل إليه من غير بابه لما ذكروه؛ ولكنهم وضعوا كابحا آخر وضابطا قويا حتى لا تخرج الأمور عن نصابها؛ فقالوا:

.

العلة إذا عادت على أصلها بالإبطال ألغيتْ.
ونتيجة هذا أن لسان حال الفقهاء : لا نقول بهذه العلة ما دامت تؤدي إلى إبطال الأصل!

.

ومن اللطيف أن من ينادي بإلغاء العدة لا يقيم وزنا لكلام الفقهاء غالبا؛ ولذا ندعوه لترك كلام الفقهاء ونذهب سويا إلى القرآن والسنة؛ فهل سيجد فيهما إلا وجوب العدة
بَيْد أنه لن يجد في كلام الفقهاء ما يشهد له على إلغاء العدة؛ غير أننا نخاف عليه من عدم فهم كلامهم وإخراجه عن سياقه!
2- أن الدليل على عدم حصر علة العدة في براءة الرحم أن القرآن العظيم في سياق العدة قال:
“لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا”

.

وهذه علة قرآنية – وليست اجتهادية – لا ينفع معها الفحص!
3- أن للشريعة مقاصد عظمى في إناطة أغلب الأحكام – ومنها العدة – بالظن الغالب؛ وبما يطلع عليه الجمهور دون أن تحيطه بما يفيد القطع أو بما يخفى على الجمهور من فحص ونحوه!
وذلك حفظا لمقصد الستر ونوطا لأحكام الله بما هو ظاهر يدركه الأمي وغيره…

.

ولهذا قال الفقهاء: إن دلالة الحيض على براءة الرحم دلالة ظنية لا قطعية؛ إذ الحامل قد تحيض.
ومن الأحكام المبنية على غلبة الظن: الأبوة؛ والنسب عموما؛ ولهذا حدت الشريعة من نفى شخصا عن أبيه ولم تحد من نفى شخصا عن أمه؛ وذلك لأن النسب من جهة الأب ظني؛ ومن جهة الأم يقيني!

.

غير أن الشريعة لا تريد رفع هذا الظن ولا الوصول إلى درجة اليقين والقطع فيه؛ وذلك لحِكم بالغة ليس أقلها الحفاظ على الستر ونشر الثقة بين الناس؛ والخوف من قطع الأرحام والهرج والمرج والغش…

.

– تصوروا – لو أنيطت العدة بالفحص – مطلقاتٍ يأتون إلى طبيب يرشونه – أو لا يرشونه – مقابل فحص طبي يثبت أن لا حمل من أجل أن يتزوجن الآن في الليلة المولية لطلاقهن؛ فليس عندهن وقت لانتظار ثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر؛ فالعصر عصر السرعة!

.

– تصوروا – لو فتح مجال شرعي للتحقق من النسب – أولادا يأتون إلى أبيهم بكل وقاحة قائلين له: سنعمل فحصا طبيا لأنه يمكن أن لا تكون والدنا!!!!
هذه المفاسد وغيرها هي التي أرادت الشريعة تجنبها فاكتفت بغلبة الظن؛ ولم تطلب البحث والتنقيب؛ ولا القطع والتكلّف؛ ونزلت غلبة الظن منزلة اليقين

.

ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
4- أن هناك قاعدة فقهية أصولية – مادام التعليل الذي تنبني عليه المطالبة بإلغاء العدة تعليلا فقهيا – تقول: المعلل بالمظنة لا يتخلف بتخلفها

.

ومعنى هذا أننا لو فرضنا أن الفحص أثبت أن لا حمل؛ فإن غاية هذا تخلف علة مظنونة في حكم شرعي؛ والمعلل بالمظنة لا يتخلف بتخلفها.

.

وختاما فالله سبحانه وتعالى:
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وأظن هذا كافيا من شخص مسافر مرهق؛ متأبطا تذكرته في مطار هو فيه غريب الوجه واللسان.

منقول

من صفحة التاه اليدالي


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى