الدخولُ المدرسي وإكراهاتُ الواقع / د.أمم ولد عبد الله
تعتبر السنة الدراسية 2019- 2020 من أصعب السنوات على المنظومة التربوية العالمية عموما وموريتانيا على وجه التحديد، فقد أعلنت اللجنة الوزارية المكلفة بجائحة كورونا في 14 مارس المنصرم تعليق الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد لمدة أسبوع ، ومع تطور انتشار الفيروس اضطرت اللجنة لتمديد ذلك التعليق لمدة خمسة أشهر ونصف ، لم تستطع خلالها إيجاد بدائل للتلاميذ الذين يُحضِّرون لمسابقات وطنية مثل مسابقة دخول السنة الأولى من التعليم الإعدادي وشهادة الباكالوريا، إذا ما استثنينا تنظيم الوزارة لدروس عبر التلفزيون الرسمي لهذه الفئة من التلاميذ.
ولم يكن تلاميذة موريتانيا وحدهم المتضررين من جائحة كورونا، بل شملت أضرارها بحسب مدونات البنك الدولي 76 بلدا، تفاوتت بحسب البنية التحية للمنظومة التربوية في تلك البلدان ومدى قدرتها على خلق تعليم عن بعد قادر على تميكن التلاميذ من اجتياز المسابقات بنسبة مقبولة.
لاتمتلك موريتانيا الوسائل التقنية لتوفير التعليم عن بعد لأكثر من 731270 تلميذا موزعين بين التعليم الأساسي والثانوي، حتى إن أكثر من 70% من الأسر لا تستطيع توفير جهاز تلفاز لأبنائها لمتابعة الدروس بسبب الفقر، والكارثة أن معظم الأساتذة المتميزين عزفوا عن تقديم دروس على تطبيق الوات ساب نتيجة تأخر التعويضات الممنوحة لهم مقابل لذلك.
طاقم ضد الرقمنة
لايخفى على أحد تحكم مجموعة محددة في قرارات الوزير المتعلقة بالشأن التربوي، وهذا ما انعكس على وضع تصور للتعليم عن بعد، فمعظم المقربين من الوزير (من مستشارين ومدراء إدارات مركزية في الوزارة) لديهم عداوة تقليدية لكل ماهو رقمي ، ويعتمدون المقاربة الكمية في رؤيتهم لإصلاح التعليم ، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا في ظل تعدد وسائط المعرفة وسهولة الحصول عليها.
صحيح أن مشكلة تدني المستويات أصبحت ظاهرة كونية ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية أرجعت مجلة public school Review ذلك الضعف إلى خمسة عشر سببا، سأركز على تلك التي تتقاطع فيها مع منظومتنا التربوية، مثل “مشاكل المناهج وانخفاض رواتب المدرسين، واكتظاظ المدراس، وزيادة نسبة الفقر في صفوف التلاميذ، ناهيك عن عدم مشاركة الآباء بما فيه الكفاية في العملية التربوية، وقلة ابتكار المعلم وتقادم أساليب التدريس …”
والأمر ذاته ينطبق على المدرسة الفرنسية، ففي مقال للكاتب: Clement Fourmier على موقع youmatter المهتم بتطوير المجتمع وبنظمه التعليمية يطرح الكاتب جملة من التساؤلا تصب في الاتجاه ذاته من قبيل لماذا تدنت مستويات التلاميذ الفرنسيين ؟ وفي إطار إجابته على هذا الإشكال الجوهري تعترضه جملة معوقات تتشابه من حيث شكلها مع تلك التي تشكل تحديا لمنظومتنا التعليمية.
من إشكالية المستوى إلى خطر العدوى
رغم محاولات الإصلاح التي شهدها التعليم في موريتانيا منذ 1965 إلى 1999 ، فإن المهتمين به مجمعون على أنه يعاني من مشاكل معقدة ومركبة في الآن ذاته، ولم تستطع الشعارات التي رفعتها الحكومات المتتالية، والتي كان آخرها إعلان سنة 2015 سنة للتعليم التحسين من مستواه، حيث سُجلت خلال تلك السنة أقل نسبة للنجاح في شهادات الوطنية، رغم الحملة الإعلامية التي واكبت الاهتمام الرسمي بالتعليم . اليوم ينضاف إلى مشكلة المستوى تحد من آخر، يتعلق الأمرهنا بخطر انتشار العدوى في صفوف التلامبذ بسبب اكتظاظ الأقسام وعدم توفرها على معايير منظمة الصحة العالمية للحد من كوفيد 19 في الوسط المدرسي. ورغم الجهود المعلنة من خلال لبروتكولات التي وقعتها الوزارة الوصية مع وزارات أخرى للتحسيس بخطورة انتشار العدوى بفيروس كرونا، فإن تلك الجهود لا يمكنها أن تصل للكثير من المدارس الابتدائية التي يصل عددها بحسب وزير التعليم الأساسي إلى أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة غالبيتها في الوسط الريفي .
أمطار تعيق المهمة
لقد تسببت الأمطار الأخيرة في عزل الكثير من المدراس خصوصا في ولايات الحوضين ولعصابة والمناطق المحاذية لضفة النهر السنغالي ، وهنا تبرز واحدة من أهم المشاكل التي تواجه الإدارة الموريتانية ، وهي عدم تنسيق الوزارة الوصية مع إدارة الرصد الجوي لتتمكن من تنفيذ خططها وطرح البدائل في الوقت المناسب، لكن الظاهر أن قرار الافتتاح فرضته ظروف معينة تربوية وسياسية، رغم ماترتب عليه من خسارات تقدر بمئات الملايين.
تبدو إكراهات الواقع على الأرض هي المتحكم الأول في قرارات تتعلق بمصير أجيال، يتفق المشرفون على تكوينهم أن الافتتاح في هذا الظرف لا يعدوا كونه إجراءً صورياً لجملة من العوائق التي تحول دون انتظام الدراسة خلال شهر واحد ستجرى فيه جميع الامتحانات النهائية والوطنية، وفي ظل هذه الوضعية الحرجة يترصد المقربون من الوزير الوسائل المادية المسخرة لتذليل الصعاب علهم يحظون بنصيب الأسد منها، غير مبالين بمعاناة الأسر وأبنائهم التي ضاعفتها الجائحة والسيول الأخيرة ، وربمالا يتوقع الكثير من أولياء الأمور أن ثمة جوائح من نوع آخر تشكل تهديداً جديا لمستقبل أبنائهم، قد لايقل خطورة عن كوفيد 19 وأخواته…