.. وعالم وقاض ووجيه.. / اج ولد الدي
لا يمثل هذا العنوان استدراكا على العلامة الأديب الأريب، أبو مدين ولد أحمدو ولد اسليمان في وصفه المؤكد بالقسم للعلامة، صالح ولد الرشيد بأنه “رشيد في الأمور وصالح”؛ ولا تكميلا لفواضل آل الرشيد التي منها ما هو طارف، ومنها ما هو تليد (وما الفضل إلا طارف وتليد)؛ لأن الرشد والصلاح يتضمنان كثيرا من الخصال والصفات الحميدة، وإنما أردت تفصيل ونشر بعض ما أجمله وطواه أبو مدين، وذلك من خلال إبراز بعض مظاهر رشد وعلم وجاه صالح، وتسجيلها على هامش انطلاق نشاطات زاويته “زاوية لمرابط صالح ولد الرشيد” في نواكشوط..:؛ إذ تفيد وثائق وفتاوى ومراسلات بحوزتنا الآتي: أولا: أنه كان محل ثقة وتقدير إمارة أهل لحبيب، وأنه بموجب تلك الثقة وذلك التقدير، وبناء عليهما منحته السلطات الفرنسية في دائرة انيورو امتيازات معنوية ومادية كبيرة غاية في الأهمية والرمزية تمثلت – مما تمثلت فيه – في: – اختياره منتصف سنة 1924 عضوا في مجلس الأعيان المحلي لدائرة انيورو مع الزعيمين، الشيخ أحمد ولد أعمر، ومحمد محمود ولد عبدلّ ولد اعلي، شيخ عامة قبيلة لادم ضمن كثير من ممثلي القرى والكيانات والأعراق التابعة للدائرة، وذلك بصفته رئيسا لطلبة أولاد الناصر، وقد نشر قرار التعيين في الجريدة الرسمية للسودان الفرنسي؛ العدد رقم: 430 الصادر بتاريخ: 1 مايو 1924 على أن يبدأ العمل به فاتح يوليو من العام نفسه. – رسمنة توليته زعامة” طلبة أولاد الناصر” بنشرها في العدد: 467 من الجريدة الرسمية للسودان الفرنسي الصادر بتاريخ: 15نوفمبر سنة 1925 ومنحه امتيازات مالية بناء على هذه الصفة.. ثانيا: الانصياع الكبير لفتاويه وأحكامه داخل مجاله الاجتماعي والجغرافي، واعتبارها نهائية وملزمة وغير قابلة للنقاش حتى قيل وشاع على ألسنة العوام تعبيرا عن تلك القوة والنهائية: “احرام ما إحلُّ صالح ولد الرشيد”، (حرام لا يستطيع صالح ولد الرشيد أن يجد له وجها بالحلية)، وحتى لقب – في الإطار نفسه- بـ”كطاع لعصيبة” تعبيرا عن قدرته على حل العويصات والنوازل الفقهية، والتسليم لقراراته وأحكامه فيها .. ثالثا: اعتماد قرارته وآرائه القضائية المتعلقة بالتزكية والتعديل والتجريح في القضايا والخصومات المثارة أمام قضاة زمانه من خارج منطقته.. وتأسيس الأحكام عليها.. رابعا: قوة وحسن علاقاته بعلماء ووجهاء قبيلته، وتقديره لهم، وإنزاله إياهم المنازل التي تقتضيها الأعراف الدبلوماسية حينها، وإصداره قرارات داخلية حاسمة تجسيدا لذلك التقدير الذي من أمثلته الموثقة إصداره قرارا رسميا مكتوبا بإعفاء إحدى الأسر من العشر ومن المداراة بناء على رغبة أو طلب أخيه وزميله؛ محمد ولد الدي؛ شِيخ أهل سيد أعمر الذي تربطه علاقات بالأسرة المستفيدة من الإعفاء.. ولا شك أن مظاهر تميز هذه الشخصية العلمية كثيرة، وأنها لم تعط حقها من التناول والتعريف؛ وما ذكرنا هنا، لا يعدو كونه أمثلة قليلة، غير أن هذه الأمثلة التي سقناها، تمتاز بأن غالبيتها مدعومة بالوثائق، ومن ثم، فإن القائمين على الزاوية، مطالبون بالكشف عن مزيد من الجوانب العلمية والسياسية لهذا العالم الصالح الرشيد من خلال جمع ما بقي من مكتبته الكبيرة التي كانت تعج بالمخطوطات، ثم وضعها حيث يمكن للباحثين الاطلاع عليها وعلى ما تحويه من كنوز ووثائق ذات قيمة تاريخية وثقافية كبيرة.. كما أنهم مطالبون بوضع حد للخلط المعرفي والتاريخي بين صالح ولد الرشيد، والعلامة المؤرخ، صالح ولد عبد الوهاب رحمهما الله.