آراء وتحليلات

فرص تشغيل الشباب المهدورة في قطاع الصيد / سيد محمد ولد محمد الشيخ

من المعروف ان وزير الصيد والاقتصاد البحري تكلفه منظومة القوانين البحرية الوطنية المستوحاة من اتفاقيات وبروتوكولات المنظمة الدولية البحرية والمكونة أساسا من مدونات كل من الصيد البحري والبحرية التجارية بتسيير نشاطين اقتصاديين بحريين رئيسيين هما الصيد البحري والنقل البحري. وتسميه المنظومة تارة بوزير الصيد وتارة اخري بالوزير المكلف بالبحرية التجارية كما تعينه المادة 9 من مدونة البحرية التجارية كأعلى سلطة بحرية مدنية للدولة.

هذان النشاطين الرئيسيين تصاحبهما أنشطة اقتصادية بحرية ثانوية كثيرة تسمي بالخدمات البحرية مثل التوصيل البحري بين الموانئ، والجر او القطر، والإرشاد، والمسافنة، والشحن، والتموين بالمحروقات والمساعدة الفنية في عرض البحر، وعمليات اللوجستيك التقنية، والصيانة، فضلا عن التوكيل البحري والخبرات البحرية للسفن والبضائع وكذالك عمليات التفريغ والتوسيط البحري.

تمنح هذه الخدمات البحرية الكثير من الفرص المهدورة للاستثمار وتشغيل الشباب الموريتاني العاطل عن العمل والرفع من مستوي مداخيل خزينة الدولة وزيادة الريع الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن استخراج مختلف الثروات البحرية من غاز وصيد ونفط. كما تعرف هذه الخدمات في موسوعة العولمة الاقتصادية البحرية بانها مصدرا للثراء ورافدا أساسيا للعمالة.

غير ان مزاولة هذه الخدمات البحرية في بلادنا تعرف فوضي عارمة ومزمنة من حيث التسيير كما تعرف غياب أكثرية النصوص التطبيقية المنظمة لها من حيث القوانين ومن حيث الاستثمار عدم معرفة كبيرة لجل الفاعلين الوطنيين بريعها وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. كل هذا تم تحت مظلة ضعف القدرات البشرية واللوجستية والفنية والمالية لإدارة البحرية التجارية سابقا وللوكالة يتيمة الموارد والامكانيات التي أنشئت مؤخرا محلها.

لهذه الأسباب فتحت معظم الشركات المهنية المتخصصة في هذه الخدمات البحرية مراكزها فقط في داكار دون نواكشوط سبيلا الي مسايرة ومتابعة النظم والمعايير المفروضة على مختلف هذه الشركات المهنية البحرية الخصوصية المساعدة في عمليات استخراج ونقل الغاز بتنسيق أكثر فعالية مع الوكالة السنغالية للشؤون البحرية ذات القدرات البشرية والفنية اللازمة لمواكبة المساطير القانونية البحرية الموحدة دوليا وبالتالي سيستفيد السنغال الجار الشقيق أكثر فأكثر من الريع الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن استخراج حقول الغاز المشتركة. فهنيئا له.

رغم اننا نادينا سابقا منذ انشاء الوكالة السنغالية للشؤون البحرية سنة 2009 في العديد من المقالات الفنية بضرورة تقوية إدارة البحرية التجارية لتستفيد موريتانيا أكثر من ريع استخراج خيراتها البحرية تمت الاستجابة ناقصة ومتأخرة من خلال المرسوم رقم 2022/183 الصادر بتاريخ 15 ديسمبر 2022 الذي يستبدل إدارة مركزية للبحرية التجارية ضعيفة الإمكانيات البشرية واللوجستية والفنية والمالية بوكالة موريتانية للشؤون البحرية يتيمة الموارد والامكانيات.

من المعروف ان الهدف من أي تغيير مؤسسي هو تقوية الإمكانيات وترشيد نفقات خزينة الدولة علي انشاءها وكل ذالك من اجل أداء المهام بشكل أفضل وليس تغيير الاسم فقط. ومن المعروف ايضا ان مهام الشؤون البحرية الموكلة لإدارة البحرية التجارية سابقا او لوكالة الشؤون البحرية لاحقا هي مهام عرضية تلامس ومن قريب معظم مهام الشؤون البحرية الموكلة لخفر السواحل الموريتاني كشرطة بحرية وللأكاديمية البحرية في مجال التكوين البحري ولشركة صناعة السفن من خلال الامن والسلامة البحريين وللعديد من الإدارات والمؤسسات التابعة لقطاعات اخري.

فلم اذن لا يتم تجميع وصهر القدرات البشرية واللوجستية والفنية والمالية لهذه المؤسسات ذات المهام المتشابهة في نفس الوكالة سبيلا الي الرفع من مستوي جاهزيتها وتمكينها من لعب مختلف أدوار الدولة في البحر بتنسيق أكثر فعالية واقل تكلفة لخزينتها وأكثر مردودية على الاقتصاد الوطني بشكل عام وكسلطة بحرية مدنية للدولة في هذا الوسط الموحش مسؤولة عن تنسيق معظم عمل الدولة المدني في البحر.

من ناحية اخري فقد ادي تنامي ظاهرة تعرض وشحن البضائع المتنوعة المنقولة بحرا للخطر، فضلا عن تطوير أنشطة اقتصادية وترفيهية أخري غير النقل البحري، إلى تغيير دور الدولة في عرض البحر حسب المنظومة القانونية البحرية الدولية الموحدة حيث أصبح المصطلح المتعارف عليه لتعريف “دور الدولة المدني في البحر” يشمل كافة الأنشطة، باستثناء تلك المتعلقة بالدفاع الوطني. وبالتالي أصبح متنوعا حسب نظم ومعايير النشاط المزاول فتارة يكون تنظيميا وتارة إداريا وأحيانا تسيير يا، وأحيانا أخري تنفيذيا وكذالك شرطيا.

في الواقع تلعب الدولة عدة ادوار منها ما هو اقتصادي وسيادي ودفاعي بحيث تتداخل صلاحيات الإدارات المكلفة بتنظيم الأنشطة الاقتصادية من صيد بحري، وتربية أحياء مائية، ونقل بحري، وخدمات فنية بحرية، واستخراج نفط أو غاز، وطاقة بحرية، وسياحة مع صلاحيات السلطات العمومية المكلفة بالرصد والرقابة، وحماية البيئة البحرية، والسلامة البحرية، والأمن والإنقاذ مما يتطلب أحيانا جهودا كبيرة لتنسيق الدور علي أكمل وجه قد تكون مكلفة لخزينة الدولة.

لترشيد هذه النفقات لجات معظم الدولة المطلة علي البحار الي تجميع وصهر امكانياتها وجهودها في وكالات وطنية للشؤون البحرية قادرة على رفع التحديات وتنفيذ المهام البحرية المتشعبة من رقابة وتفتيش ومتابعة إدارية منتظمة بشكل أكثر تنسيقا وفعالية او انشاء وزارة جديدة للشؤون البحرية على غرار حكومة كونجو سنة 2008.

عندها ستستفيد موريتانيا أكثر فأكثر من ريع استخراج كافة مواردها الطبيعية من غاز ونفط وسمك. وسيتم تصحيح الثغرات القانونية التي تتعارض أحيانا مع جوهرها ويتم إعادة تركيز المهام بتنسيق اكبر وتتم استعادة مبالغ ضخمة مفقود من مداخل خزائن الدولة، متأتية من خلال الإتاوات والضرائب على الخدمات المهنية المقدمة للمشغلين، والمهنيين والسفن، كما سيؤدي إلى فتح فرص استثمارية جديدة للفاعلين الخصوصيين الوطنيين وتشغيلية للشباب العاطل عن العمل.

إلى جانب الاستفادة من الأثر الاجتماعي والاقتصادي الايجابي على الاقتصاد الوطني بصورة عامة تعتبر إعادة تنظيم وتوحيد وتأهيل سلطة الدولة البحرية ضمانا يشجع المنظمات المانحة والمهنية وشركات استغلال مختلف الثروات البحرية من غاز وبترول وصيد وكذالك شركات النقل المتعددة الجنسيات على الاستثمار لتصبح ظروف مزاولتها لهذه الأنشطة أكثر ملائمة مع النظم والمعايير البحرية الدولية المطلوبة.

في حين كان مرسوم انشاء مكتب وطني لموانئ الصيد البحري خطوة جديرة بالتنويه في الاتجاه الصحيح ترمي الي تركيز وتنظيم وتنسيق كافة جهود وامكانيات موانئ الصيد البحري الفردية وتنظيم نفسها على المستوى الوطني سبيلا الي توزيع عادل لتجهيزاتها بين الموانئ من اجل استغلال أفضل وخلق ديناميكية أكثر امانا لترقيم ورسو مختلف اقسام سفن الصيد البحري حسب المناطق الشمالية والوسطي والجنوبية.

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى