آراء وتحليلات

معارضة من أجل المعارضة / محمد الامين ولد لكويري

لم تكن الديمقراطية أحسن نظام حكم يمكن أن تحكم به عباد الله في بلاده على الإطلاق، فكما أن للديمقراطية إيجابياتها الكثيرة فإن لها كذلك سلبياتها غير القليلة.

ولعل من أبسط تلك السلبيات أن يصل الحاكم إلى الحكم بواسطة أصوات أكثرية قد لا تحسن التمييز بين الصالح والطالح، ويتم ضرب عرض الحائط بأصوات الحكماء العارفين بمصالح البلاد والعباد بحكم أنهم أقلية، رغم أنهم صوتوا على بصيرة.

ولكن ما دامت هناك أمة معينة قد أجمعت على اتخاذ نظام ديمقراطي تعددي خيارا لها، ورضيت به معارضة وموالاة، فعلى الكل أن يلتزم بما تمليه الديمقراطية، وأن ينطلق من مبادئها سواء كانت له أو عليه.

أما وقد وجدنا في هذه البلاد بعض من يمارسون السياسة من معارضتنا الموقرة، يقبلون من الديمقراطية ما يتماشى مع مصالحهم الشخصية أو يوافق أهواءهم، ويرفضون عكس ذلك، فإنه يجب التفكير في أسلوب آخر من أساليب الحكم يتفق عليه الجميع.

إن معارضتنا الموقرة دخلت في انتخابات مع رأس النظام الحالي سنة 2009، وقد حضرها العديد من المراقبين الدوليين وشهد الجميع بنزاهتها وشفافيتها.

وبما أن النتيجة لم تكن لصالح هؤلاء، فقد فكروا مليا في ذريعة جديدة يتذرعون بها أمام الرأي العام لرفض نتائج هذه الانتخابات التي لم تجر رياحها بما تشتهي سفنهم.

فما كان من هؤلاء إلا أن ابتكروا ـ غير موفقين ـ نظرية “الباء الطائرة” في خطاب خرافي يخجل أجرأ مشعوذي العصور المظلمة أن يحاول به إقناع أغبى بدائييها.

لم يقتنع الرأي العام في الداخل ولا الخارج ـ وهو الأمر المتوقع بالطبع ـ بطيران الباء، فوجدت المعارضة نفسها مضطرة للاعتراف بنتائج الاقتراع والقبول بالأمر الواقع.

فاستسلمت ــ وبغير رضا منها ــ لما فرضته الظروف، رغم أنه كان عليها أن تقدم التهانئ للرئيس الذي منحه الشعب ثقته، فور إعلان النتائج، كما تمليه الأعراف الديمقراطية.

تم تنصيب الرئيس الجديد وبدأ يهيئ لرسم الخطط التنموية لأول مأمورية فوضه الشعب فيها حكمه، وطفقت هذه المعارضة تعيش ــ تطبعا ــ شبه بيات شتوي لم يعد يتاح لها في تلك الأيام خيار غيره.

لم تطل تلك الفترة كثيرا حتى بدأ هؤلاء يعطون البراهين على مصداقية الأثر الحساني السائر “التَّطَبُّعْ ما يَعْطِ أَربْعينْ لَيْلَه” فسرعان ما شرعوا يظهرون بالوجه الحقيقي تدريجيا.

ما إن انتصفت المأمورية الأولى حتى نادوا على هذا الرئيس الرحيل الرحيل، راكبين موجة ما يسمى الربيع العربي الذي ما زالت الشعوب العربية حتى اليوم، تتخبط في ما انجر عنه من ويلات وويلات.

وبدعوتهم إلى رحيل رئيس منتخب يكونون قد أعلنوا رفضهم لخيار الديمقراطية، التي تتيح له حق البقاء في السلطة حتى انتهاء فترة مأموريته، ولن يرحل بعدها إلا عن إرادته أو عن طريق صناديق الاقتراع.

أجل إن الديمقراطية التي أتاحت حرية التعبير وحق التظاهر، لهذه المعارضة التي تؤمن ببعضها وتكفر ببعض، هي التي جاءت بهذا الرئيس إلى سدة الحكم، وأعطته حق البقاء في السلطة، وتسيير شؤون البلاد لمدة خمس سنوات.

أليس من التناقض الواضح، بل ومما يدعو إلى القلق على طبيعة الديمقراطية في بلادنا؛ أن تخرج زمر المعارضة إلى الشارع بحجة حرية التظاهر التي تتيحها القوانين الديمقراطية، لكي تدوس ــ في الآن نفسه ــ هذه القوانين بالأقدام، وتعلن عن رفضها لخيار الديمقراطية؟

إنه كان أمام هذه المعارضة خياران لا ثالث لهما، وكلا الخيارين يمنعها من الخروج إلى الشارع ودعوة الرئيس إلى الرحيل عن السلطة في بداية أولى مأموريتيه.

فالخيار الأول: أن تقبل هذه المعارضة تحكيم الديمقراطية كمعيار للحكم، وهو أمر لا تجوز معه الدعوة لإسقاط رئيس منتخب، ما يزال في أوائل مأموريته الأولى.

والثاني: أن تكفر بالديمقراطية والحرية، وهو ما يعني أن تصبح البلاد تعيش حكما دكتاتوريا، وهو ما لا مجال فيه لحرية التظاهر، والهتافات الداعية إلى إسقاط الحكم، والنداء في وسائل الإعلام للخروج من أجل إسقاط دكتاتور لن يسمح بالحديث عن صعود أسعار الخبز، فمن باب أحرى التظاهر الفعلي للإطاحة به.

ولعله لم يفت على النظام أن المعارضة لم تعد ترضى بخيار الديمقراطية كأسلوب يتم الاحتكام إليه في شأن الحكم، فرق لحالها وأشفق عليها؛ بأن دعا إلى حوار وطني شامل، بحثا عن رضاء معارضة طارت به العنقاء.

حوار لن يستفيد منه رأس النظام شيئا ولن يخسر شيئا بعدمه، بل قد يكون هؤلاء هم أكبر مستفيد من ذلك الحوار، الذي أريد له أن يشارك فيه الجميع، ويبدي فيه الجميع آراءهم واقتراحاتهم.

حوار تعهد النظام أيامها بتطبيق جميع مخرجاته، وهي مخرجات تنشر أمام جميع المواطنين، فإن قامت السلطات بتطبيقها كما ينبغي فهو المطلوب، وإلا كان النظام نكث العهد ولم يف بما التزم به أمام الجميع، وهو مكسب للمعارضة يفوق كل المكاسب.

استجابت عدة أحزاب من هذه المعارضة لهذه الدعوة وشاركت في ذلك الحوار الذي رأى قادتها في الغياب عنه تعنتا مكشوفا وعدم إنصاف مشين، وقاطعته أحزاب لو لم يدعها النظام إلى الحوار لدعته إليه، ولو استجاب لها لرفضته، وهكذا في فهم يعارضون فقط لكي يعارضون.

استمرت فعاليات الحوار أياما عديدة نوقشت فيها جميع الآراء وخرج الجميع بعريضة مخرجات هي زبدة تلك الآراء، وقطع النظام على نفسه العهد بتطبيق تلك المخرجات حرفا بحرف.

تم تحديد الخامس من شهر أغسطس 2017 موعدا للاستفتاء على التعديلات الجديدة، والناجمة عن الحوار المذكور، وتمت تهيئة الظروف لذلك حتى تمر العملية على أحسن ما يرام.

أعلنت معارضتنا الراديكالية مقاطعتها لذلك الاستفتاء وسعت لإفشاله، فبدأت بالتظاهر من جديد، ودعت إليه الجميع الذي عودته على الدعوة إلى المظاهرات والخروج للشارع تعويده إياها على رفض دعوتها وعدم الاستجابة لها دوما.

جاء الخامس من شهر أغسطس واتجه الشعب إلى صناديق الاقتراع ليصوت لصالح التعديلات الدستورية الجديدة بنسبة تفوق نسب المشاركة في أكثر أمهات بلاد الديمقراطية.
وبتنظيم الاستفتاء على التعديلات الدستورية يكون النظام قام بتطبيق الخطوة الأولى من نتائج الحوار السياسي، ونرجو أن لا ينتظر بتطبيق باقي البنود أن تتصف معارضتنا الراديكالية بالإنصاف وتوافق على خطة ما، فهو ما لن يحصل حتى يتحرك الأخشبان.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى