آراء وتحليلات

الإسلام دين السلام / القصطلاني إبراهيم

 

قبل أيام تم إختتام المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم في نسخته الثانية، المنعقد في عاصمتنا انواكشوط، و كان خطوة موفقة تعطي صورة جيدة للسعي لحل أبرز المشكلات المطروحة في المنطقة، و انعقاده في موريتانيا له رمزية كبيرة، فبلادنا  شنقيط رائدة في بذل السلم و السلام و لله الحمد، و العلامة عبد الله بن بي إبن شنقيط، يريد لها أن تبقى على مر السنين كما هي تبث العلم و السلام في ربوع افريقيا و في كل الاقطار.

 

و من زواية أخرى مختلفة، و مخالفة تماما، إعتبر البعض أن المؤتمر مجرد تمرير لأجندة خفية، تسعى لأغراض خطيرة سبق و أن سعت لها، رغم ان المؤتمر – و قد تابعت انشطته – لم يتحدث الا عن السلم و السلام و كيف يتم تحقيقه؟!!!!

 

و كان هذا الرأي الأخير مدار جدل ، نقل بوصلة الحديث في اتجاهات مختلفة.
و الحقيقة أن علينا ان نسأل كيف نستثمر الحديث عن السلم في ما يخدم أمتنا، لا أن نجعله نقطة إختلاف و تجاذب بيننا حتى و لو اختلفت مشاربنا و توجهاتنا السياسية.

 

نستثمره لمحو صورة ذهنية عن الإسلام لدى الكثير ممن هم خارجه، بأنه دين عنف و حرب حتى أنها بدأت تتسلل إلى بعض من هم في دائرته.

 

و أصبح من يدعو للسلام كمن يدعوا للإستلام و الخنوع، و الحقيقة أن الدعوة للسلام هي دعوة أصيلة أتصفت بها دعوة رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم في جميع محطاتها.

 

ففي الفترة المكية التي كانت فترة ضعف القدرات المادية للمسلمين، كانت دعوة السلام واضحة المعالم رغم القهر و التنكيل الذي يتعرض له المسلمون و هم قلة حينئذ.
و عند  مجيئ الرسول صلى الله عليه و سلم للمدينة، تعاهد مع اهلها على السلم فيما بينهم و كانت صحيفة المدينة الشهيرة ميثاق سلم، رغم ان من ضمن سكان المدينة اليهود.

 

،و بعد ان قويت شوكة الدولة الإسلامية في المدينة و حققت ،إنتصارات على أعدائها، كان هناك صلح السلم “صلح الحديبية”، فقد تصالح رسول الله صلى الله عليه و سلم، مع المشركين لمدة عشر سنوات، و كانت هناك بنود في صياغة كتابة الصلح فيها تنازل عن صياغات كتابية للطرف الآخر تعبر عن مدى حرصه صلى الله عليه و سلم على السلم و السلام.

 

و كانت رسائل رسول الله صلى الله عليه و سلم للملوك في شتى أرجاء العالم لدعوتهم للإسلام تحمل في طياتها دعوة للسلام، و حتى أن الإسلام و هو في حالة قوة و جهاد يعرض خيارات السلم و السلام قبل الحرب.

 

إنطلاقا من ذلك و بإلقاء نظرة لوضع الأمة الإسلامية حاليا، أمتنا التي تتشتت بسبب التفرقة و البغضاء، و التي تتقاتل فيما بينها حتى داخل القطر الواحد، أما الجاليات المسلمة في بلدانهم الغير مسلمة فلا تسأل عن حالهم  من تنكيل و قتل و تهجير و تهميش في أغلب الأحيان.

 

أمتنا التي انشغلت بالملاهي و المغريات، ليتقدم عليها الغرب في جميع المجالات العلمية.

 

إنطلاقا من واقع أمتنا و حالة الضعف و الاضطراب الذي تعيشه لايمكننا إلا أن ننتبه إلى أنفسنا و نحذر مما يزيد الطين بلة، و نتمسك بمنهج نبينا محمد صلى الله عليه و سلم منهج السلم و السلام.

 

إن من يدعوا للسلام من خلال ديننا الحنيف إنما يعبر عن سماحة و نبل و جمال الإسلام في منهجه و قيمه.

 

و حديثنا عن الخنوع و الخضوع للغرب من زاوية الدعوة للسلام،  يشوبه تجاوز في التقدير،

فنحن الذين لا نستطيع توفير ميزانياتنا الا بدعم الغرب، بل أكثر من ذلك تمرر علينا قوانين لا علاقة لنا بها سوى انها توافق أمزجة الممولين، و مع ذلك نتفهم ذلك لدواع سياسية و إقتصادية و استراتيجية، و ليس غياب رسمنة اللغة العربية بشكل تام ببعيد منا، و هي التي تمثل اللغة الرسمية بنص الدستور.

 

إن حاجتنا للسلم كحاضنة نمرر من خلالها مبادئ ديننا الحنيف و ننشر في ظله قيم و معاني إسلامنا القويم، هي حاجة إستراتيجة ملحة.

فللإسلام قوة شمولية تجعله يقنع كل ذي لب حصيف بمبادئه و افكاره و منهجه، فهو دين دنيا و أخرى، دين عقل و نقل، دين بدن و روح، دين علم و عمل، دين إنسانية و أخلاق، فإذا إتيحت له فرصة سلم إنتشر بقوة تماسكه و جمال تعاليمه، و لقد كانت فترة صلح الحديبة خير شاهد على ذلك؛ حتى أن بعض المفسرين اعتبر الفتح المبين، صلح الحديبية و ليس فتح مكة فقط.

 

أما استحضار الإستقطابات و تبادل الاتهامات و البحث عن مساوئ بعضنا البعض و تخندق كل طرف في اتجاه يخصه، فتلك توجهات مآلها أن نزيد حصادنا من الضعف و التفرقة الذي ما تزال الأمة الاسلامية تعاني منه حتى ساعتنا هذه.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى