آراء وتحليلات

الإعلام في المواقع الافتراضية (3) / إشيب ولد أباتي

 

أي دور للمجتمع في محاربة الفساد؟
سؤال  طرح عنوانا لمقال الكاتب، والناشط السياسي المحترم محمد الامين ولد محمد فاضل،،

 وقد كتب عن ضرورة اقامة حرب على الفساد، والمفسدين باعتبارهما طرفا واحدا للمعادلة، الذي اشعل الحرب الأولى، وهي تبرر في تقدير الكاتب الدعاية لحرب ثانية، وإذا كانت الأولى  ظالمة لما ترتب عليها من اضرار جسيمة، فإن الثانية اضطرارية للدفاع عن المجتمع في وجوده الاجتماعي بقاء، وضمان استقراره حفظا،،وفي كلتا الحالتين، فمجتمعنا ضحية حربين بين قوى الخير، وقوى الفساد، وفي كل الاحوال، فهو واقع تحت تدمير محقق جراء المتصارعين، ولا شك أن كل طرف يدعي الوطنية، ويتشبث بالبقاء في الوطن، ولو أننا نشك في تقديرهما لقيمة الاستقرار العام، ولكن كل ذلك في حدوده النسبية، والسؤال، هو: ألا يكون الأمر على حساب مصالح المجتمع العام، لأن مصالح كل طرف، هي  جزء من الصالح العام، وهذا المنطق الذي قد  لا يطهرهم من المجازر، حتى ولو تحت الدعاية لها..
وذكر الكاتب أن المفسدين وجدوا جنودا مجندين للدفاع عنهم، وهو دفاع عن الاقارب، والاحباب، واصحاب المصالح المشتركة،، وهذا تحصيل حاصل، حقيقة مكررة على حد تعبير المناطقة، يا عزيزنا الكاتب الغيور على وطنك بالدعاء له” حفظ الله موريتانيا” في آخر المقال،،  لكن هل سأل الكاتب عن” السبب الكافي” للدفاع عن المفسدين من طرف من كانوا يتظاهرون بمناوأة الفساد؟ و كيف يمكن القضاء على الفساد دون حرب شعواء لا تبقي، ولا تذر؟ و ما هي القوى السياسية والاجتماعية، صاحبة الفكر الاصلاحي، لاصلاح ما افسده الدهر، وليس قوى التغيير الاجتماعي، لأن الأخير، لم توجد له قواه  في الحراك الاجتماعي السياسي الحالي؟ والسؤال يتعلق بغياب قوى التغيير الاجتماعي التي تقدم حلولا موضوعية  مقبولة منطقيا، واخلاقيا، ونفسيا لدى المواطن الذي تراجع مائة وثمانين درجة في المائة عن مواقفه السابقة في محاربة الفساد، والمفسدين، ولعل الموجود الذي حصل عليه  القراء الكرام بعد الامتناع عن السكوت، هو هذه الإشارات من الكاتب، والإماآت التي تشكل خيانة للضمير لدى البعض، أو تقصيرا في الوعي لدى آخرين، وهي تخلص صاحب القلم السيال، او صاحب الذراع الطويل الذي اتعبه المسترشدون الذين ترددت على مسامعهم صيحات عن بعد، رافقتها حركات توجيهها في الاتجاه الطريق للتخلص من القراء ، وليذهبوا الى المجهول، وهذا ما قام به الزميل المحترم  في كتاباته التوعوية تارة، وهي مطرزة بالإيحاء الاخلاقي، لكن هل الرسالة وصلت الى القراء؟
لا، طبعا، وقد يقول غيره نعم، بالتأكيد، وأنا من هذا الفريق يقينا،، مع ترديدنا  لقوله تعالى، وكفى الله المؤمنين القتال.

ولعل المجتمع لا زال يحتاج لاكثر من دعائك ” حفظ الله موريتانيا”، كما يحتاج  لفكر توعوي، يوجه القراء برؤية واضحة، لتقدم مبادئ للتغيير الاجتماعي، وليس الى الاصلاح الترقيعي الذي يخيط  الرقع على صفحات المواقع الافتراضية في محاولة يائسة لتغطية جسم المجتمع، أو اشباع البطون الخاوية، أو مداواة  المرضى  التي تهتك باجسامهم الاسقام خلال اثنين وستين عاما من الاستقلال، ومثلما كان مرضانا في القرن الماضي، يموتون قبل ان يصلوا الى مشافي السينغال، فلا زال الحال كما هو، فمعظمهم يموت في الطائرات قبل أن يصل الى المغرب، أو تونس!! وكما كان الفساد الاداري قائما، وكأنه، هو من ألهم الشعراء أن يغنوا بالنيابة عنه: ” كل العصور أنا بها، فكأنما عمري ملايين من السنوات” ـ على حد تعبير نزار قباني ـ.

ألا من يقرأ على مسامع كاتبنا المحترم هذه السطور التي اكتبها، ليس نيابة عن المفسدين، ولا عن المدافعين عنهم، بل تبصرة لمن يكتب لا فوق ارجوحته التي تتهادى على تيار المعايير الأزدواجية، بينما في نفوس العامة، والخاصة شيء من ” حتى” فيمن يكتب بالنيابة عنهم، لأن الفساد لا يقاوم بالرؤية الأحادية، أوالسلوك الفردي الموجه ضد مصلحة هذا، وترك ذلك، ولأن الفساد يحتاج الى وجود ضوابط الزامية: قانونية، واخلاقية، وقوى داعمة، بأدواتها الشاملة، والمجردة ـ خصائص القاعدة القانونية ـ ولها غاية تطفو على ذرى المصالح الخاصة، وليس النبش بمنقار ديك القرية” الذي سقطت ساعته ” البيولوجية” منذ فترة، فصار يؤذن، بل يؤذن نيابة عنه في أي وقت من الأوقات خارج مواقيت الصلاة، ليكر حبات مسبحته بين أصابعه في ساعات الفراغ، أو ساعات السحر.!

ولأن الفساد يحتاج  لمن يحدده في مظاهره، وابعاده، وغاياته العظيمة في تقوية أركان الحكم السياسي في بلادنا، ومن نعماء انظمتنا الجمهورية، أنها تغيب عنا ضوء الشمس الفضي الحارق، وتسدل غطاءها الوردي على العيون الجاحظة من الجوع، لكن يزعجها ـ كما يزعجنا ـ ديك المؤذن، حين يعتصر النداء ب” حيا على الحرب في المجتمع للقضاء على الفساد “، فنقول تحت الذعر” فليحيا الفساد في سلوك الفرد، وفي نظام الجمهورية، وذلك حفاظا على وحدة المجتمع الذي يتوارى عن الانظار خلف زوابع الفساد المستشري”.

لأن الفساد في المجتمع، يستبقي القليل من فتاته، بينما الحروب حين، تلقي بالمتفجرات الماحقات، فلا تستثني الا القطط السمان،، ومن نتائج الحروب يا كاتبنا المحترم أنها تساوي بين المتعلم، والأمي على حد سواء، فلا وقت للقراءة، وهي تمنعنا من الاستفادة مما كتبت، وتكتب ليل نهار تحت شبح الحرب، لا في الحروب من حولنا في المجتمعات المجاورة..

فهلا تركت مجتمعنا تحت السماوات التي تظلله صباح مساء، وبعضه ينام في العراء، اوعلى سجادته خاشعا لرب العالمين، أو متوحدا مع الجمادات؟

فخيارنا للفساد، أو الحرب، فليكن الفساد، حتى لا نصفه بعد أيام الحرب، وسنينها القذرة، بأن الفساد عطية من هبات الله التي ارسلها الينا مع أنظمتنا السياسية القابعة بأريحية على صدورنا، وهي ترهبنا بالحروب العرقية، والحروب الإثنية، والحروب على الفساد، والحروب على العشرية دون ما قبلها، وما سيأتي بعدها،، فإذا ما تحركت قيادات انظمتنا في رحلة اللاعودة، وتراءى لنا ظلها، فسادها القمين بالتأمل من الكتاب المصلحين الذين تعودوا، كما الأفعى في خلع ” فسوخها” الذهبية، ومن كان يظهر في جلباب متواضع، صار يظهر بآخر صيحة من ” دراعات” رجال ،، وانتظروا تحت شجرة “يقطين” النظام الجمهوري، وأخيرا نطقوا كفرا بالحروب على المفسدين، فهلا هددوا المصلحين بالحروب، ليخش المفسدون، ويعيدوا  ما لقيصر، ويتركوا عندهم ما لله ..؟!
وحيث أننا نكتب ليلا، أهم مقالاتنا، فلا نرى ظلا، ولا أمتا، وكذلك من يكتب عن الفساد، فلا يترائى له الا اشباحه خلف الذين تحركوا دونما رجعة،، فلندع الله جميعا  لكاتبنا، أن يبعد عنه رؤية الفساد ممن لا زالوا في مخادعهم، حتى يتجنب رؤية ما لا عين رأت ولا أذن سمعت عن اجرام ” بيرام” حين حرق كتب الثقافة العربية،، لكن هذا  لا يستدعي التخويف بالحرب لله الحمد..

إثارة الكتابة اللواعجية عن أوجاع المجتمع، ومفاسده، هي قضية ذات أبعاد واحجام، تتجاوز من يسمع،  ولا يرى كاحله، لأنها تحتاج الى وعي، والالتزام، والمسؤولية، وتحمل التبعات، لكن هل نحن وصلنا الى هذه المستويات من النضج الفكري؟
قال صاحبي، هل تعتقد أن كاتبنا على اطلاع بالفكر السياسي المعاصر، حتى يدرك مضامين هذه المفاهيم في الفقرة الأخيرة؟

قلت فليطلع على الفكر السياسي قبل أن يدبج مقالاته عن الاصلاح، ويحارب المفسدين، ويفجر حروبه في مجتمعنا القبلي الذي احيا أخيرا رموز نظام الإمارات وهي رميم، وما قتلتها الا الحروب القبلية التي نقف على ابوابها، كما وقف الأعمى على البئر، وقال لأصحابه دعوني اسقط، فهل يسقط دعاة الحروب ما ظهر منهم، وما بطن في هاوية الحروب القبلية؟


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى