آراء وتحليلاتالأخبار

الاستقلال بين الستينين / د.علي محفوظ

 

ستون عاما مرت من القرن الماضي قبل إعلان الاستقلال يوم الاثنين 28 نوفمبر 1960.

 

ثم مرت ستون عاما بعد يوم الاثنين 28 نوفمبر 1960.

 

ما هي الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟

 

أين الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟

 

وكيف هي الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟

 

منذ عهود سحيقة والإنسان عبر الزمان في هذا المكان، لقد أبان علم الآثار عن شواهد حياة الإنسان في منطقة عاصمة الاستقلال نواكشوط منذ ما قبل التاريخ، حتى أطلق الآثاريون على طبقة الآثار الممتدة مع السواحل الموريتانية وما جاورها اسم “نواكشوطي Nouakchottien”، رغم كل ذلك لم تبح المنطقة بكل أسرار الماضي، ولعل بناء المستقبل يتعالى على الحاضر والماضي..

 

تنقلت الحياة البشرية في كل أنحاء الوطن وتنوعت حتى نطق علم الجينات مؤكدا أن هذه الرقعة شملت كثيرا من سلالات أمم بني آدم، وتعاقبت عليها اللغات والثقافات والديانات والتصورات والتصرفات البدائية الساذجة حتى دخلت المعجزة الإسلامية قبل ألف سنة فكان التاريخ وكانت والجغرافيا..
نشأت عواصم في مناطق الجبال، وتضاعفت الأخصاص على ضفاف الجداول والنهر والدلتا وطول سواحل المحيط مؤكدة قوانين علم الاجتماع في الاستقرار البشري القديم على ضفاف الأنهار ومصباتها في البحار بما يضمن من أمن غذائي مسخر في الصيد البري والبحري والإنتاج الزراعي، الشواهد الجيولوجية تفيد بوجود أنهار اندثرت وانغمرت حين انتصر هجوم الرمال على حياة الماء، لم يكن للإنسان الموريتاني أن يدفع الرمال كما فعلت الأسطورة المصرية بتمثال أبي الهول وصاحبيه حين ضمنتها طلاسم تحارب الرمال وتردها على أعقابها أن تغمر حوض نهر النيل الخصيب، ورغم ذلك أغرقت الرمال جسد أبا الهول عبر العصور كما فعلت بمدينة شنقيط القديمة، لقد تسلقت بكل صلف حتى تعلقت بمنكبيه ليعيش الألف الأخيرة في مشهد “غريق الرمال”..

 

رغم صلف الرمال والتصحر في هذا الوطن وتسلطها على الجبال الشاهقات تتسلقها وتغطيها أحيانا حتى يصير الجبل رمليا، رغم كل ذلك فقد بقي لنهر صنهاجة السنغالي كما يسميه الأوروبيون حوضا متسعا إلى حد ما خضيرا نضيرا، وربما أسعفته الفيضانات بهدير سيول تهيج منسابة في بقايا السهول تستعيد المناطق المحتلة من طرف الرمال فيتخللها الماء حتى جاوز في نوفمبر 1950 موقع نواكشوط يتنسم هبوب الرياح الساحلية على عادة السكان منذ أقدم العصور، وقد حدثت هذه الغزوات الفيضانية قبل 1950 كما أثبت الأثبات أواخر 1950، بعد ذلك لم تغز السيول إلا شيئا محدودا، وكان لموجة جفاف الساحل في الثلث الأخير من القرن الماضي سطوة من قوة المناخ انتصرت لقوة الرمال؛ فليس يخرق قانونها غير عواصف استوائية عابرة في بعض أيام آب وأيلول مستعينة بزمانهما لبلوغ هذا المكان ونقل البشرى للكائن البشري هنا في جمهوريته الجديدة..

يوم الاثنين 28 نوفمبر تشرين الثاني 1960 انتهت قعقة سلاح السيبة والاسترقاق وسلاح الاحتلال والنهب الفرنسي معا لتبدأ “الجمهورية”..

تلك هي “الجمهورية الإسلامية الموريتانية”..

 

بدأت الجمهورية من ناحية الزمان المنقضي ولها رصيد تاريخي كاف، ومن ناحية الإنسان تمتلك موارد بشرية نوعية تنوعا وكيفا، وتختزن من ناحية المكان أصول الثروات التي تحرك الاقتصاد العالمي ..

 

حديد ..

 

 

ذهب ..

 

زجاج ..

 

نحاس ..

 

مخزون أسماك متجدد..

 

ثروة حيوانية كبيرة ..

 

غابات ..

 

أراض زراعية خصبة ..

 

مياه الأنهار والبحيرات الجوفية ..

 

واحات ..

 

موقع تجاري متميز منذ أقدم العصور ..

 

وغير ذلك مما لم يذكر وما لم يكشف ..

 

كيف هي الجمهورية؟

 

أين البنى التحتية المتطورة؟ أو على الأقل المطورة؟

 

أين إنشاء “البناء” المفقود وصيانة وتطوير الموجود؟

 

أين البنى التحتية للتعليم؟

 

جامعات غير مكتملة ويتيمة لم تواكب نمو المجتمع السكاني والثقافي ..

 

تناطح بأبجديات الثمانينات تراكيب 2020 !

 

وتحاصر سياسات التمكين من مواصلة التعلم لضعفها وضيقها رغم قلة السكان عموما..

 

الطرق، وبنى الصحة والعدل المعبرة عن هيبة الدولة وعطف الوطن!!

 

وكفاءات الموارد البشرية المعطلة عن مجالاتها، وما أدراك ما تعطيل الكفاءات؟

 

ويبقى الكثير مما يدرك بالنماذج ..

 

وتبقى المقولة الصادقة أن الدول تبنى بالرجال قبل الثروات وبالإنسان قبل الجماد وبالمورد البشري الأمين الكفء قبل الموارد الطبيعية الهامدة والثروات العجماء تجلت في بلد “المليون ثروة وثروة” بين الستينين بعد ستين عاما من “الاستقلال الوطني” ..

 

بين الستينين تماما مثلها مثل “بين الخميسين” تركيبا وترتيبا:

 

والعلم في شهب الارماح لامعة ☆ “بين الخميسين” لا في السبعة الشهب

 

ذالكم الاستفهام الإنكاري هو خبر المبتدإ ونعت الوصف بحال: “كيف الجمهورية”؟.

 

التنمية والوطنية والشرف والإخاء والعدالة وغيرها كلها من قاموس الشرف والقيم النبيل الجميل، لكنها معان، و”المعاني تقوم بالمباني”..

 

تلك المباني وذلك البناء والنماء هو الذي يدأب الموريتاني في البحث عنه في وطنه منذ ستين سنة سلفت، وتدأب الجمهورية في الوعد به والعهد ..

 

عسى أن يحصل “للعهد معناه” ..

ليحصل للمعنى مبناه.

وعلى الله قصد السبيل.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى