ثقافة

رمضانيات 2 / تِرياق اللَّسْعْ في جواب المسائل التِّسعْ

وجَّهَ السادةُ اليَعقوبيُون –وهُمْ مَن هُمْ فِي العِلم– مجموعةً مِن الأسئلة إلى العلامة محمد فالْ “بَبَّها” بن محمذن بن أحمد بن العاقل، تناولت مختلف العلوم المحظرية مِن عقيدة وفقه ولُغةٍ وقرآن …

ولِفعلِهم هذا مُستنَدٌ راسخٌ في الشرع، فقد ذكر لمرابط “بَبَّها” نفسُه في شرحه لداليته في الألغاز، أن العلماء نصُّوا على أنه ينبغي للرجُل أن يُمرِّن أصحابه بإلقاء المسائلِ الغامضات عليهم، لِيختبر أذهانَهم في كشفِ المُعضِلات، وإيضاح المُشكلات، وقد أخذ العلماءُ ذلك مِن حديث عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما، الواردِ في صحيح البُخاري، والذي جاء فيه :

((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لِأصحابه إنَّ مِن الشَّجَر شجرة لا يَسقُطُ ورقُها وإنها مثلُ المُسلم، حَدِّثُونِي ماهي، قال : فوقع الناس في شجَر البوادي، قال عبد الله بنُ عُمر : فوقع في نفسي أنها النخلةُ فاسْتحْيَيتُ، ثم قالوا : حدِّثنا يا رسول الله ما هي، فقال هي النخلة، قال عبد الله بن عُمَر : فحَدَّثتُ بالذي وقع في نفسي عُمر بن الخطاب، فقال : لَئِن كنتَ قلتَها أحبُّ إليَّ مِن حُمْرِ النَّعَم)).

وقد وردت أسئلة اليعقوبيين في قصيدة قافية، مِن بحر الطويل، تقع في أربعة عشر بيتاً، هذا أولها:

ألا أيُّها الحَبرُ المُعرِّضُ نفسَهُ
لِوقعِ سِهامِ كُلِّ رامٍ مُفَوّقِ

أيُمكِنُ مخلوقٌ يفوقُ محمداً
عليه صلاةُ اللهِ ما دامَ يَرتَقِي؟

وإبصارُ مولانا وسمعٌ تعلَّقا
بِمعنًى وذاتٍ قطعاً أيَّ تَعَلُّقِ،

فأينَ دليلُ العقلِ والنَّقلِ يا فتَى؟
لذاكَ فلا تزلقْ وللِغلطِ اتَّقِ!

وبعد ثمانية أبيات، جاء في آخر القصيدة:

وما فاعِلٌ قد هاجرَ الرَّفْعَ وارْتدَى
بِجَرٍّ وإسْكانٍ؟ فعَيِّنْهُ واصْدُقِ!

وإنَّ الذي يُبدِي الجوابَ ولم يَكُنْ
بِنصِّ صريحٍ فهْوَ غيرُ مُصدَّقِ

وقد أجاب لمرابط “بّبَّها” على هذه الأحاجِي مِن خلال تأليفٍ نثريٍ سمَّاهُ “تِرياق اللسع في جواب المسائل التِّسْعْ”، يقول في أوله:

((الحمدُ لله الذي حُمِد بالذات قبل تحميد الحامدينْ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام الأنبياء والمُرسلينْ، وعلى آله وصحبه أجمعينْ، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّينْ، هذا وقد سنح في فِكري أن أجيبَ أسئلةَ اليعقوبِيين جواباً يُوضِّحُ معناها، ويُبينُ مبناها، إذْ كثُرت فيها أقاويلُ السَّادهْ، طلَباً مِنِّي للإفادَهْ)).

وبعد هذه المُقدمة، ينبري لمرابط “بَبَّها” في جواب الأسئلة واحِداً تِلوَ الآخر، إلى أن يصل إلى جواب تاسعِها، فيقول مع خاتمة الورقات:

((وأما سؤالكم عن فاعلِ فعلٍ مجرورٍ جاء في كلامهم مُسَكَّناً، فالجوابُ أنه إشارةٌ لِقول طرَفةَ:

بِجِفانٍ تعترِي نادِيَنا
مِن سَديفٍ حين هاجَ الصِّنَّبِرْ

فأصله “الصِّنَّبْرُ” بِكسرِ الصَّادِ وفتحِ النُّونِ وشَدِّها وإسكانِ الباءِ، فكأنَّ صاحبَ البيت توهَّمَ أنَّ “هاجَ” مصدرٌ، فأضافه إلى “الصِّنَّبْرِ”، ثم نقل كسرةَ الرَّاءِ إلى الباءِ قبلَه للوقفِ، على حدِّ قِراءةِ مَن قرأ “وتواصَوْا بالصَّبِرْ”، بنقل كسرةِ الرَّاءِ إلى الباءِ قبلَه للوقف، و”الصِّنَّبْرُ” الريحُ الباردةُ والثاني مِن أيام العجُوز … قلتُ : ولا يَختص الجوابُ بهذه المسألة، بل كلما وقفتَ على فاعل مجرور حصلت المسالة، كفاعل “أفعَل” المجرور بالباءِ في التعجب، كأكرِم بِزيدٍ، وفاعلُ “كفَى” المجرور بالباء الزائدة، إلا أن هذا لا يحسُن الوقوف عليه، لعدم تمام الفائدةِ، وكالفاعلِ المجرور ب”مَنْ” الزائدةِ النفي، كقوله تعالى : “ما جاءنا مِن بشيرٍ”، وقد يُجَرُّ الفاعلُ في غير هذا، ولكن بعد الاسم، كفاعل المصدر واسمه وفاعل “هيهاتَ” المجرور باللامِ نحوَ : “هيهاتَ لِما تُوعدون”. انتهى ما أردنا جمعَه مِن جواب أسئلةِ اليعقوبيين، وسمَّيتُه “تِرياق اللسْعْ في جواب المسائل التِّسعْ”، والحمدُ لله ربِّ العالمينْ، والصلاةُ والسَّلامُ على سيِّد المُرسلَينْ، وآله وصحبه التَّابِعِينْ)).

وقد نظمَ الوالدُ رحمةُ اللهِ عليه مضمونَ أجوبةِ لمرابط “بَبَّهَا” في قصيدة مِن خمسة وأربعين بيتاً، تنحو نحوَ قصيدة اليعقوبيين في بحرها ورويِّها، وقد ختمها بقوله :

هُنا تَمَّ نظمِي للأحاجِي مُنَسَّقاً
وما ظفِرَتْ قبلِي بِنظمٍ مُنَسَّقِ

أحاجِي بنِي يعقوبَ مَنْ احْرَزُوا العُلا
وحازُوا على الأقرانِ كُلَّ تَفَوُّقِ

اُجِيبَتْ بِنَثرٍ فاعتَنيتُ بِعَقدِهِ
فجاءَ كَعِقدٍ في الصُّدورِ مُعَلَّقِ

صلاةٌ وتسليمٌ على البدرِ أحمدٍ
ومَن يَنْتَقِي مِنهاجَ أحمدَ مِن تَقِي

ومِمَّا يُنسَبُ للمرابط “بَبَّها” بشأن هذه الأجوبةِ قوله في بيتَين :

إلى البهاليلِ مِن أبناءِ ألْفَغَ مُو
سَى الأكرمِين إذا ما اجْلَوَّذ الوخَمُ

هذا وإنَّ جوابَ التِّسْع لاحَ ولَا
كِنَّ الجوابَ جواب التِّسْعِ مُحترَمُ

رحمة الله على الجميع ،،،

تقبل الله صيامنا وصياكم وقيامنا وقيامكم وضاعف لنا ولكم الأجر ،،،

عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى