آراء وتحليلات

اقتراحات انتهت صلاحيتها! / محمد الأمين الفاضل

من كان يتوقع أنه سيأتي يوم يطالع فيه خبرا عن عريضة موجهة من طرف القضاء إلى زعيم التكتل أحمد داداه تمنحه 20 يوما فقط للرد عليها؟ ومن كان يتوقع أن هذه العريضة يقف وراءها أحد أطراف القيادات المتصارعة على شرعية تمثيل حزب التكتل؟

مرَّ هذا الخبر دون أن يثير أي اهتمام، فالتكتل لم يعد كما كان، والرأي العام لم يعد كذلك كما كان، فهو منشغل هذه الأيام بنقاشات أغلبها يدخل في دائرة النقاشات التافهة.

على المستوى الشخصي فقد آلمني كثيرا هذا الخبر، ويؤسفني حقا أن تكون خاتمة حزب التكتل، أكبر وأعرق حزب معارض في تاريخ البلد، وخاتمة زعيمه أشهر زعيم للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة بهذا الشكل.

فمن كان يصدق أن الزعيم أحمد داداه والذي التف حوله في فترة من الفترات كل الطيف السياسي المعارض، لم يعد اليوم قادرا على السيطرة على ما تبقى من حزب التكتل، وذلك مع العلم أن الحزب عجز ـ وبطرفيه المتصارعين حاليا ـ عن الحصول على مقعد واحد في البرلمان في الانتخابات الأخيرة.

لا يختلف حال حزب التكتل عن حال حزب التحالف الشعبي التقدمي، ولا يختلف حال الزعيم أحمد داداه عن حال الزعيم مسعود ولد بلخير، فكلا الزعيمين قدم تضحيات كبيرة للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة، وكلاهما ظل متمسكا بقيادة حزب لم يعد قادرا على الحصول على مقعد واحد في البرلمان، حسب ما قالته صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة.

وما قيل عن الحزبين ( التكتل، والتحالف)، وعن الزعيمين (أحمد ومسعود)، يمكن أن يُقال أيضا عن حزب اتحاد قوى التقدم، وعن زعيمه الدكتور محمد ولد مولود، والذي قدم هو أيضا تضحيات كبيرة للمعارضة الموريتانية، ولكنه ظل كذلك متمسكا بقيادة حزبه، والذي لم يتمكن ـ حاله في ذلك كحال التكتل والتحالف ـ من الحصول على نائب واحد أو عمدة واحد في آخر انتخابات تشريعية وبلدية.

مؤلم حقا أن تكون الخاتمة السياسية لأهم ثلاثة أحزاب سياسة معارضة، ولأهم ثلاثة زعماء للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة بهذا الشكل القاسي.

المؤلم أكثر أن هذه الخاتمة كانت متوقعة، بل كانت مؤكدة، في ظل تمسك القادة الثلاثة برئاسة أحزابهم، فلماذا لم ينسحب القادة الثلاثة في الوقت المناسب؟ ولماذا لم ينسحبوا وهم ما زالوا يحتفظون ببريق القيادة والزعامة، تاركين لأجيال أخرى في أحزابهم مواصلة المسار النضالي؟

ألم يكن الأجدر بهؤلاء القادة أن ينسحبوا في التوقيت المناسب من قيادة أحزابهم، ويشتغلوا في مجالات أخرى تليق بهم، ويخدمون من خلالها وطنهم الذي ما زال بحاجة إلى عطائهم، ولكن في مجالات أخرى غير سياسية؟

ألم يكن الأجدر بهؤلاء القادة، والذين كانوا يطالبون الأنظمة الحاكمة بالديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة، أن يقدموا هم المثال الحسن على التناوب السلمي من خلال أحزابهم، وذلك بدلا من أن يتشبثوا برئاسة تلك الأحزاب رغم الانسحابات الواسعة التي عرفتها تلك الأحزاب في السنوات الأخيرة، وكأنهم يريدون أن لا يتركوا تركة حزبية لمن سيتولى بعدهم قيادة تلك الأحزاب.

لقد قلتها منذ سنوات وفي الوقت المناسب، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس أحمد داده أن ينسحب بعد رئاسيات 2007 من العمل السياسي الحزبي، وذلك بعد أن منحه نصف الشعب الموريتاني أصواته، أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بشكل متدرج وهو مرفوع الرأس، وأن يتفرغ بعد ذلك لإطلاق مؤسسة باسمه لتطوير الديمقراطية في موريتانيا تبتعد عن التجاذبات السياسية الآنية، وعن التخندقات والاصطفافات الآنية، وعن الصراعات المعهودة بين المعارضة والموالاة، وتهتم فقط بالأمور الفنية لتنمية وتطوير الديمقراطية الموريتانية.

ولقد قلتها منذ سنوات وفي الوقت المناسب ، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس مسعود ولد بلخير أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بشكل متدرج وهو مرفوع الرأس بعد رئاسيات 2009، وأن ينشغل بإطلاق مؤسسة باسمه للتنمية الاجتماعية تُعنى بالنضال التنموي ضد الاسترقاق ومخلفاته، وذلك من خلال التركيز على محاربة الجهل والفقر في الأوساط الأكثر هشاشة. لو فعلها الزعيم مسعود في ذلك الوقت، وقد قدمتُ له مقترحا بذلك في العام 2013، لكانت مؤسسته الاجتماعية تقدم اليوم خدمات تنموية كبيرة للفئات الهشة، ومما لا شك فيه أنه كان سيجد تمويلا كافيا لتلك المؤسسة، وبذلك يواصل خدمة موريتانيا في مجال آخر لا يقل أهمية عن المجال السياسي.

ولقد قلتها من قبل، وفي الوقت المناسب ، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس محمد مولود أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بعد رئاسيات 2019، وربما من قبل ذلك، وأن يطلق مؤسسة للحوار السياسي والاجتماعي، وهو الخبير بإدارة الحوارات، تكون قادرة على تنظيم حوارات سياسية وربما اجتماعية في الأوقات التي يكون فيها البلد بحاجة لتلك الحوارات، والبلد بحاجة دائما إلى تلك الحوارات.

اليوم يَعدُ النظام بحوار، وتشكك المعارضة في ذلك الحوار، وتطعن فيه حتى من قبل أن يبدأ، فلو كانت هناك مؤسسة شبه مستقلة للحوار، يترأسها شخص بتاريخ وخبرة محمد مولود في إدارة الحوارات، لكان بإمكان هذه المؤسسة أن تلعب دور الوسيط أو المسهل لضمان نجاح الحوار المرتقب بين الفرقاء السياسيين.

إننا في موريتانيا بحاجة إلى شخصيات وطنية ومرجعية يقدرها الجميع، تأخذ نفس المسافة من الجميع، وهذه الشخصيات لم تعد اليوم موجودة بسبب الاصطفافات والتخندقات والصراعات السياسية الآنية، وكان بإمكان الرئيس أحمد داداه أن يكون شخصية مرجعية في مجال تنمية الديمقراطية وتطويرها إن كان قد انسحب في الوقت المناسب من العمل الحزبي، وأطلق مؤسسة باسمه لتنمية الديمقراطية يبتعد بها عن ثنائية المعارضة والموالاة و تركز على الجوانب الفنية والتقنية في التنمية الديمقراطية، وكان بإمكان الرئيس مسعود أن يكون شخصية مرجعية في النضال التنموي ضد مخلفات الاسترقاق، إن هو انسحب من العمل الحزبي في الوقت المناسب، وأطلق مؤسسة باسمه للتنمية الاجتماعية، وكان بإمكان الرئيس محمد مولود أن يكون شخصية مرجعية في المساعي الحميدة والحوارات السياسية، إن هو انسحب من العمل الحزبي في الوقت المناسب وأطلق مؤسسة للحوار السياسي.

للأسف لم يحدث أي شيء من ذلك، ولذا فلم تحظ موريتانيا بشخصيات مرجعية قادرة على خدمتها في مجالات أخرى لا تقل أهمية عن المجال السياسي بمفهومه الضيق، وفي المقابل، فلم يحظ هؤلاء القادة الثلاثة بتقاعد سياسي مشرف يتناسب مع تاريخهم السياسي المشرف.

ختاما

هذه مقترحات قدمتها في وقت سابق، وأخلصتُ النصح لمن قدمتها له، وقد انتهت صلاحيتها منذ مدة، ولم تعد قابلة للتنفيذ، ومع ذلك سيعاد نشرها ـ إن شاء الله ـ مع مقترحات كثيرة أخرى، في أحد أجزاء سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، وهو الجزء  الذي سيخصص للمقترحات الكثيرة التي قدمتها لجهات مختلفة خلال العقدين الأخيرين.

 

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين الفاضل

Elvadel@gmail.com


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى