نماذج من المسيئين إلى النبي وكيف هلك كل واحد منهم
أحداث التاريخ منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من المواقف والأحداث التي تبين عاقبة من استهزأ بالحبيب صلى الله عليه وسلم، وتؤكد أن الله تعالى تكفل بالانتقام لنبيه صلى الله عليه وسلم، وكفاه ممن استهزأ به، وهذا ماض إلى قيام الساعة دائماً وأبداً؛ مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95).
قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية: “وهذا وعْدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنْ لا يضره المستهزئون، وأنْ يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة”.
روى أنس رضي الله عنه قال: (كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم، فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه) رواه البخاري.
يقول ابن تيمية: “وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذه عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبَّه، ومُظْهِرٌ لدينه، وكذب الكاذب ..”.
وقصة كسرى وقيصر المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم جديرة بالتأمل، فقد كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع كلاهما عن الإسلام، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبَّت الله ملكه، وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ به، فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة مُلك، فكل من أبغض النبي صلى الله عليه وسلم وعاداه، فإن الله يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره، وهذا تحقيق وتصديق لقول الله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ} (الكوثر:3) .
وينبغي أن يُعْلم أن كفاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممن استهزأ به أو آذاه ليست مقصورة على إهلاك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة، بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر:31)، ولعل تتبع هذا الأمر يطول، غير أننا نكتفي بعرض عدة نماذج، كفى الله فيها رسوله صلى الله عليه وسلم ممن آذاه أو استهزأ به في حياته، وهذه بعض أسمائهم مع بيان حالهم ونهاية حياتهم:
أبو لهب
هو عبد العزى بن عبد المطلب: عم النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أشد الناس تكذيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم أذى له، وهو القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: “تبا لك! ألهذا جمعتنا؟!”.
وكذلك كانت امرأته من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه، فلا عجب أن نزل فيهم قول الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } (سورة المسد:1-5)، وقد أخذ الله أبا لهب بمكة، إذ أصابه بمرض خبيث يقال له: مرض العدسة، وكان ذلك يوم هزيمة المشركين ببدر، فجمع الله عليه البلاء والعذاب النفسي والبدني، فمات شر ميتة.
ذكر الطبري في “تاريخه”: “أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشد العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثاً، لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السُّبَّةَ في تركه، حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه”.
أبو جهل عمرو بن هشام
وكنيته أبو الحكم، وكناه المسلمون بأبي جهل؛ لخبثه وسوء أفعاله، كان من أشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكم لاقى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من إيذائه واستهزائه، هلك ببدر، قتله ابنا عفراء ـ شابان صغيران ـ واجتز رأسه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أحد المستضعفين من المسلمين، وذلك زيادة في إذلاله.
عقبة بن أبي معيط
من أشد الناس أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعداوة له وللمسلمين، وهو الذي وضع سلا الجزور-جلد بعير مذبوح- بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي عند الكعبة، وضحك لذلك كفار قريش، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها، فأبعدته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، ثم تسمّي: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد. قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى (قتلى)يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب (البئر) – قليب بدر- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع أصحاب القليب لعنة) رواه البخاري. وقد هلك هذا الخبيث ـ عقبة بن أبي معيط ـ ببدر، حيث أُسِر بها وقُتِل.
الأسود بن عبد يغوث
من المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه مستهزئاً: هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى. وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أما كُلِمتَ اليوم من السماء يا محمد؟! وقد أصاب الله هذا الخبيث بقروح في رأسه فمات منها شر ميتة.
الحارث بن قيس السهمي
أحد المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم، الذين ظلوا يؤذونه طول حياتهم، وكان لشدة كفره وجهله يقول: غرَّ محمد أصحابه، ووعدهم أن يحيوا بعد الموت. وهلك هذا الكافر بالذبحة؛ إذ أكل حوتاً مملوحاً، فلم يزل يشرب حتى مات، وقد امتلأ رأسه قيحاً، فكانت موتته شر ميتة وأنكرها.
العاص بن وائل السهمي
والد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان من المستهزئين بالحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لما مات القاسم بن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن محمداً أبتر (مقطوع)، لا يعيش له ولد “، فأنزل الله تعالى فيه سورة الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (الكوثر:1-3). هلك العاص ـ اسم ومسمى ـ بمكة، بسبب شوكة في رجله، انتفخت بسببها، حتى صارت كعنق البعير، فمات بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
الأسود بن المطلب أبو زمعة
ذكر ابن هشام في سيرته أنه كان يقول لأصحابه مستهزئا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته: “قد جاءكم ملوك الأرض، ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ويصفرون ويصفقون ضحكا وسخرية”، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمى ويثكل (يفقد) ولده، فمات أعمي أثكل إلى جهنم وبئس المصير.
مالك بن الطلاطلة
كان سفيهاً من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمات بمكة بعد أن امتلأ رأسه قيحاً.
هؤلاء من صناديد الكفر بمكة، اعتدوا على مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء والاستهزاء، فأهلكهم الله بأساليب شديدة شتى وفي مدة وجيزة، نكالاً لهم في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.
ثم إن هذه النماذج وغيرها مما وقع في حياته أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لَتؤكد صدق وعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95). يقول ابن تيمية في هذا الصدد: “والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السِّيَر والتفسير، وهم على ما قيل: نفر من رؤوس قريش، منهم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسودان: ابن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس“.
إن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله صلى الله عليه وسلم، أن الله سبحانه ينتقم منه، ويكفيه إياه، وهذا ماض إلى قيام الساعة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95)، ثم إن المجرم الذي يسيء للنبي صلى الله عليه وسلم إذا لم تدركه عقوبة في الدنيا ـ فيما يظهر للناس ـ فإن وراءه يوم عبوس قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشان
والواجب علينا التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطاعة أوامره، والدفاع عنه، ونصرته وتوقيره، قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفتح:8-9).
نقلا عن إسلام ويب