قبل زيارة الرئيس: واقع وطموحات بعض شباب الحوض الغربي (1) / أحمدو ولد أبيه
في البداية تنبغي الإشارة إلى أن هذه السلسلة تمثل خلاصة مختصرة جدا لرؤية مشتركة بين مجموعة من أبناء الولاية الشباب، كانت قد اختارت الاستقلالية لخوض غمار المنافسة الانتخابية الأخيرة على مستوى الولاية، واستطاعت من خلالها أن تحصل على ما يناهز 3000 صوت بوسائل جد متواضعة في أول تجربة سياسية لنا.
من المناسب في هذا المقام أن نشير لنقطةٍ كانت تمثل ركيزةً محورية في ترشحنا للمجلس الجهوي، كما تشكّل دعامةً قويّة له في الآن نفسه، ألاّ وهي مشاركة الشباب في العملية السياسة بما يترتّب عليها من مهامّ ومناصبّ إدارية يمكن من خلالها تجسيد الدور الإصلاحيّ على أتمّ وجه.
إننا نعلم جيداً أنّ الشباب طالما كان وسيلةً للاستغلال السياسيّ في الفترات الانتخابية، وما ينبغي التركيز عليه في هذه الصدد، هو التأكيد الجوهري على دور الشباب وقيمتهم، ولكن شريطة أن يكون مُنطلِقاً منهم وفي سبيلهم أيضاً، بمعنى أن لا يكون منصباً في مصلحة بعض الأوجه السياسية التقليديّة والمجربة، ذلك أن معنى أن يتولّ الشباب الدوّر السياسي يتجسد في منحهم المسؤولية الفعليّة لعرض مقترحاتهم وتنفيذ رؤاهم الطموحة على ضوء تجديدٍ عمليّ واضح من جهة، مع استفادةٍ من أخطاء الساسة السابقين من جهةٍ أخرى. وفي منطقة الحوض الغربيّ تحديداً يتضّح لنا، بما لا يدع مجالاً للشّك، حجم التهميش السياسي الذي مورس على الشباب منذ قيام الجمهورية قبل ستين عاماً وحتّى هذه اللحظة، رغم الانفتاح/الثقة الكبير/ة على/في الشباب من قبل النظام الحالي.
ما تفرضه اللحظة الحالية هو أن نعي هذا الأمر جيداً، حتّى نعتبرها فرصةً سانحة للعمل من أجل مشاركة سياسية جادة وواعدة، وهذا ما كنا نطمح إلى فعله بترشحنا لرئاسة المجلس الجهوي بالحوض الغربي. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن ولاية الحوض الغربيّ تطرح تحدياً جسيماً على المستوى التنموي، فإنّ من شأن هذا أن يحرّض فينا هذا السعي النبيل إلى المساهمة بجهدنا دوماً. ونرى من الضروري الإشارة لمسألةٍ مهمة قبل أن نبدأ في سرد بعض طموحات شباب الولاية ، وهي يمكن أن تعبتر إطاراً عمليًا به تتوّجه كافة محاور تلك الطموحات وتُصاغ كمقترحاتٍ عملية: لا نريد لسرد الطموح أن يقتصر على مركز الحوض الغربيّ ممثلاً في لعيون ومراكز المقاطعات مثلاً، فليس من الجيد الخروج من مركزيةٍ والدّخول في أخرى، ذلك أنّ ما نريده على الأصح هو إشراك جميع نقاط الحوض الغربيّ كافةً، بحيث تتمتّع كل واحدةٍ منها بما تتمتّع به الأخرى، ولكن حسب متطلبات حاجتها.
التعليم
يعتبر التعليم اللبنة الأولى في كل خطةٍ جادة من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتؤكد ذلك كثيرا وبشكل دقيق التجارب العالمية الرائدة، وبالتحديد تجربتي ألمانيا واليابان.
نعلم جميعاً أن قطاع التعليم في ولاية الحوض الغربي يعاني الكثير من المشاكل، لعل من أبرزها انهيار مؤسسات التعليم النظامي وسيطرة التعليم الحر على المشهد في أغلب المقاطعات وعاصمة الولاية، بالإضافة لعدم الالتزام بمواكبة برامج التدريس في القرى والأرياف مع برنامج مقاربة الكفايات. وما نطمحُ إليه هو إعطاء العناية التامة لهذه المشاكل، وذلك في سبيل حلّها وترقية المنظومة التعليمية في الولاية. ولا بدّ أن نشير أنّ إحدى العقبات الكبرى التي ينبغي العمل عليها، هي إتاحة الفرصة لتكون هناك حالة تمدرسٍ شاملة في عموم الولاية، فكما نعلم فإن ذلك يشكل تحديًا لا بدّ من النجاح فيه لكي يزدهر المستوى التعليميّ ويبلغ ذروة الرقيّ المأمول. فرغم أنه في السنوات الأخيرة ازدادت حالات التمدرس إلاّ أنه ما زالت هناك أيضاً تقصيرات كبيرة في ما يخصّ الشمول والإحاطة، وفي هذه الحالة لابد من أن ينتشر الوعي في جميع الأوساط الريفية والقروية بضرورة التمدرس وأهميته في مسيرة حياة الفرد والمجتمع معاً. وبالطبع فإن هذه المشكلة تحمل وجهًا آخر لا بد من القضاء عليه، ألا وهو التسرب المدرسي في كل مرحلة من مراحل التعليم.
من أجل مجابهة مثل هذه المشاكل والقضاء عليها لا بد أولاً من نشر الوعي في أوساط الساكنة جنباً إلى جنب مع توفّر إرادة سياسية من قبل الجهات المسؤولة في الولاية، والتي يأتي على رأسها، المجلس الجهويّ. في سبيل ترقية المنظومة التعلمية في الولاية، بالنقاشات والمفاوضات مع السكّان في كل بقعةٍ من الولاية، حتّى يُحدّد بطريقةٍ صحيحة ما هو الأنسب والأنجع في هذا الصدد.
من جهةٍ أخرى ينبغي أن نفكّر في إعادة الاعتبار، ضمن خطة النهوض بالتعليم، إلى محاربة الأمية، في الأوساط العمرية المتقدمة في الأرياف والمدن، فمما لا شكّ فيه أنه في ظلّ انعدام إمكانية القراءة والكتابة لدى البعض منّا فإنّ ذلك سيقلّل من النمو المطموح إليه، كما سيفرض عقباتٍ أمام سعينا لإعطاء الجميع فرصة التعلّم بطريقةٍ ديمقراطية. إذاً لا بد أن يتساوى الجميع في امتلاكهم القدرة على القراءة والكتابة حتّى لا يحصل هناك تفاوت من أيّ نوعٍ. وفي ظنّنا أنّ مثل هذه المهمة مسنودة على الدولة أولاً، كجهازٍ مؤسسي عموميّ، لتنظر فيها وتختار لها الاستراتجية المناسبة. وبالطبع من الأفضل أن لا يتم الشروع في أيّ خطةٍ من ذلك القبيل إلاّ بعد عرضها على مراقبين معتمدين في الولايّة، كي يتسنّى، بالاستناد على المعطيات المقدمة من قبلهم، تحديد وبطريقةٍ إحصائية دقيقة مالذي ينبغي فعله؟ وكيف يتم فعله؟ ثم القيام بدراسة الآليات المناسبة في ذلك الصدد من أجل تقديمها للجهات التربوية العليا.
في طموحنا نعتمد الوقوف في وجه خصخصة التعليم، وسياستنا في ذلك ليست منطلقةً من فراغ، فالمدراس الخصوصية قد نزلت بالعملية التعليمية إلى مستوى في غاية الفوضويّة والضحّالة والاستهلاكيّة، ولكنّ ذلك لم يأتِ نتيجة فراغ، فما جعل بعض السكان يقصدونها، هو أنّ بعض مؤسسات التعليم العموميّ صارت في وضعٍ بائسٍ وفوضويّ أيضاً وتفتقد للرقابة الإدراية والتدريس المنهجيّ الرصين. ولكي نعود بالأمور إلى نصابها الطبيعيّ، إذاً، لا بدّ من تحسين وضع التعليم العموميّ وظروفه، فوحده التعليم العموميّ يمكن أن يوفّر إحساساً عموميًا بالمدنيّة في عقول التلاميذ ويضمن غياب التمايز السلبي في ما بينهم.
إذاً نرى من الضروري توفير بنيةٍ تحتية للعملية التعليمية في الولاية، وهذا حتّى تجري في ظروف مناسبة ومريحة، وفي هذا الإطار ينبغي ترميم المدراس المتهالكة، وتعهدّها برعايةٍ دائمة عند الترميم، وتوفير الكتب وأدوات الدراسة الأساسيّة لكل مراحل التعليم. وبالنسبة للتلاميذ الذين يقطنون بعيداً من أماكن دراستهم، في الولاية أوالمقاطعات أوالبلديات، ينبغي توفير نقلٍ مناسب لهم، حتّى لا تكون هناك حالات تغيّبٍ عن الدراسة أو تأخرٍ في القدوم أو الذهاب بالوقت الرسميّ المحدد. وعلينا التفكير ملياً في العمل على ضمان أكلةٍ يوميّة لجميع التلاميذ، وخصوصاً الذين تُحتّم وضعيتهم الأسرية الصعبة ذلك. إنّ هذا كله يحظى بقيمةٍ محورية في طموحنا لأنه يتعلّق بالسعي من أجل عمليةٍ تعليمية ناجحة يستفيد منها جميع التلاميذ، بغض النّظر عن مواقعهم وخلفياتهم.
وبما أنّ ولايتنا، ولاية الحوض الغربيّ، صارت توجد بها جامعةً عموميّة، فنحن ننظر بحماس في ما يمكن أن يفعل إزاءها للاستفادة من الخدمات الثقافية التي يمكن أن تقدّم بالجامعة، أساتذةً وطلابًا، في عموم الولاية، كدورات التدريب والتوعية والتأطير حتّى يتجسّد المعنى الحقيقيّ للخدمة المعرفية والثقافية. وبالنّظر إلى أنّ ولاية الحوض الغربيّ، توجد بها محاظرٌ كثيرة وعديدة، فإننا نأمل أن يكون هناك تعاونٌ تكاملي ومنهجيّ في مجال العلوم الشرعية بين المحاظر الكبيرة – العريقة والجامعة.
الصحة
تشهد الحالة الصحيّة في ولاية الحوض الغربيّ مشاكل عديدة تعكس بعض حالات التهميش والإهمال الحاصلين، وما يمكن أن يقدّم في سبيل ترقيتها وتطوّرها هو التالي: بناء مستوصفات في القرى البعيدة، وإعطاءها رعايةً مكتملة، وضمان وجود التجهيزات الأساسية فيها. توفير سيارات إسعاف مجهزة لنقل المرضى بين الولاية ومقاطعتها والبلديات ونواكشوط أيضًا. المطالبة الدائمة بوجوب معاملة أخلاقية ورحيمة للمرضى في جميع المستشفيات بالمحيط الجغرافي للولاية.
السعي دائماً من أجل القيام بحملات توعية صحيّة، ورعاية أيام صحيّة مجانيّة، في أماكن متفرقة من الولايّة، حتّى يحظى كثيرٌ من المواطنين بفرصة التوعية والعلاج بالمجان. تفعيل لجنة قانونية لمراقبة الأدوية داخل الولاية، والبحث في الصيديلات، وجميع أماكن بيع الأدوية، خشية أن تكون هناك أدوية مزورة أو منتهية الصلاحيّة.
في اعتقادنا أنّ الاهتمام بصحّة المواطنين هو موضوعٌ مهمّ يمكن مقاربته من زاويا عدّة، وأيّ اهتمامٍ جديّ بصحّة السكان ينبغي أن لا يكون مرتبطًاً فقط بالحالات الصحيّة المتطلبة لذلك، بل إنه يتعدّاه إلى ممارسات التوعية والرعاية في كلّ حينٍ ووقت. ونرى من الضروريّ في ذلك الإطار مراعاة جودة المواد الغذائيّة المستعملة ومراقبة صلاحيتها في جميع الأسواق داخل مجال الولاية الجغرافيّ. وكالعادة فإن ذلك لايمكن أن يتم إلا عن طريق الاستعانة بخبرات وآراء بعض الخبراء والأطباء كي يكون كلّ تدخلٍ عن وعيٍ وبصيرة.
التنمية الحيوانية والزراعة
بالنسبة لنا فالتنمية الحيوانية والزراعة من أهمّ الملفات التي يمكن أن يُعمل عليها في الولاية، نظراً إلى أنّ هناك أعداد هائلة من الحيوانات والأراضي الصالحة للزراعة. وما نرى القيام به هو أولاً دعم القطاعين في خطوةٍ نراها مهمة بل وصارت لضرورتها في غاية الإلحاحية: لذلك نقترح إنشاء مزارع كبرى في المحيط القديم لمركز مدينة الطينطان لزراعة المادة الأساسية للعلف (البرسيم) وذلك سعياً إلى أنّ يكون منتجًا محليًا سهل المنال، وبإمكان جميع المنمين أن يجدوه عن قرب عند حاجتهم للعلف.
إنّ تجربة هذا الصيف المرير دفعتنا إلى التفكير في ذلك، وما ينبغي القيام به هو الاستفادة من التجربة، والدّفع بنا قدماً نحو سياساتٍ ابتكارية تراعي هموم السكّان ومتطلباتهم الأساسية. وعلاوةً على أنّ هذا المشروع سيوفّر خدمة أساسيّة لكلّ منمٍ بالولاية، فإنه أيضاً سيكون فرصةً جيّدة لانخراط العديد من شباب وأبناء الولاية في العمل فيه. نأمل أن تكون الفكرة في تطبيقها بمثابة الحجرة التي تسقط طائرين.
بناءً على استطلاعٍ أجريناه بداية هذا العام فقد لاحظنا أنّه يوجد في المحيط الجغرافي لولايتنا، ولاية الحوض الغربيّ، اقبالا واعدا في أوساط السكّان على الزراعة. وفي الحقيقة فإنّ لسياسات الدولة، وبعض الجهات التابعة لها، دوراً كبيراً في التوعية بهذا الأمر ودعمه في أوساط السكان . ولكنّ هناك عدة نقاط يطبعها النقص والعجز وندعوا للتفكير في العمل الجديّ عليها: دعم التجارب الفرديّة جيداً، في حال كانت متواضعة ومحتاجة للرعاية. دعم فكرة إنشاء تعاونياتٍ جماعيّة، وكذلك دعم إنشاء سوق خاص لعرض وبيع منتوجات المزارعين في كلّ مكانٍ من الولاية.
يتواصل في الجزء الثاني، والذي سنتناول فيه – إن شاء الله- المحاور التالية:
– إنشاء طرق حديثة لفك العزلة عن المراكز الإدارية والبلديات
– تعميم الماء والكهرباء في المراكز الحضرية
– مقترحات لإنقاذ وتطوير سلسلة الواحات الموجودة في الولاية
– محاربة ظاهرة التقري الفوضوي
– دعم منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية.