أي واجهة شعبية نريد؟ / محمد الأمين ولد الفاضل
إن نجاح أي حرب على الفساد يحتاج إلى توفر شرطين أساسيين، أولهما إرادة سياسية جادة، وثانيهما هبة شعبية داعمة.
من وجهة نظر شخصية فإني على قناعة بأن هناك إرادة سياسية جادة لمحاربة الفساد، ولكنها إرادة تعتمد على أسلوب التدرج من أجل كسب هذه الحرب، ففتح كل ملفات الفساد في وقت واحد في بلد تفشى فيه الفساد سيؤدي حتما إلى خسارة هذه الحرب وإلى انتكاسة كبرى لا يمكن التحكم في مآلاتها.
إن الأسلوب الأمثل لمحاربة الفساد في هذه البلاد يجب أن يعتمد على التدرج، ويجب أن يدخل في إطار إستراتيجية شاملة للإصلاح المتدرج والآمن، أما الأساليب الثورية في محاربة الفساد، والتي قد تلقى قبولا في نفوس بعض المتحمسين، فلا مجال لها هنا، وذلك لما قد تؤدي إليه من مخاطر لا قدرة لبلدنا على تحملها.
لن أطيل الحديث عن الشرط الأول المتعلق بتوفر إرادة سياسية جادة، ولكني في المقابل سأفصل أكثر في الشرط الثاني المتعلق بالهبة الشعبية أو الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد.
إن الواجهة الشعبية التي بدأت تطفو على السطح منذ تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية هي واجهة منتهية الصلاحية في أغلب مكوناتها، ولذا فنحن بحاجة إلى إعادة تشكيل هذه الواجهة إذا ما أردنا بحق أن نكسب الحرب على الفساد.
إن الواجهة الشعبية التي سنتحدث عنها يجب أن تتشكل من ثلاث عناصر أو مكونات وهي : الأغلبية؛ المعارضة؛ والشباب.
أولا / الأغلبية
من المؤسف جدا أن من يحمل اليوم لواء الحرب على الفساد في فسطاط الأغلبية يتمثل في الأساس في نائب سابق ورئيس سابق للحزب الحاكم وعقيد متعاقد، وكل هؤلاء عرفناهم يبالغون إلى حد الابتذال في مدح الرئيس السابق. فأين هي الأغلبية ذات المصداقية ؟ من المؤكد بأنه يوجد في الأغلبية الكثير من الأشخاص النظيفين الذين يستحقون ـ وبجدارة ـ أن يحتلوا الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد داخل فسطاط الأغلبية.
أذكر بأني في معركة “المرجعية” أشرتُ إلى بعض الأصدقاء في الأغلبية بأن يتحركوا بشكل فوري وسريع ليحتلوا الواجهة في هذه المعركة، ولكن ما يؤسف له هو أن الأشخاص الأكثر نظافة هم في العادة الأشخاص الأقل مبادرة والأقل حيوية على العكس من الأشخاص الأكثر احتراقا، فهؤلاء هم الأكثر حيوية ونشاطا، وهم الأكثر قدرة على إطلاق المبادرات والأخذ بزمامها.
هناك مجموعة كبيرة من نواب الحزب الحاكم رفضت بشكل حاسم أن توقع على مبادرة النواب الداعمة للتمديد للرئيس السابق..هذه المجموعة كان عليها أن تتصدر الواجهة السياسية في فسطاط الأغلبية من بعد تنصيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وكان عليها أن تتصدر الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد داخل فسطاط الأغلبية الحاكمة، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن. لن أختم هذه الفقرة من قبل أن أذكر ببعض المبادرات الشبابية النظيفة التي دعمت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في الانتخابات الرئاسية الماضية، فأين هي الآن؟ ولماذا لم تفرض هذه المبادرات الشبابية ظهورها كواجهة شعبية داعمة للحرب على الفساد؟
ثانيا / المعارضة
الحرب على الفساد كانت شعار المعارضة الموريتانية منذ عقود، وتشكيل لجان تحقيق برلمانية كان مطلبها منذ سنوات، ولذا فأي حرب على الفساد تُخاض على هذه الأرض هي حرب المعارضة من قبل أن تكون حرب أي جهة سياسية أخرى، ولذا فقد أحسنت بعض أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان عندما قبلت بالانضمام إلى تنسيقية سياسية واسعة يوجد فيها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وبعض الأحزاب الأخرى في الأغلبية الحاكمة.
إن الحرب على الفساد هي حرب الجميع، ويجب أن يشارك فيها الجميع، وما كان للمعارضة أن تتأخر عن حرب هي حربها من قبل أن تكون حرب أي جهة أخرى. صحيح أن أي حزب معارض يرفض التنسيق في هذا الوقت مع النظام سيحقق مكاسب حزبية ضيقة وآنية، ولكنه في المقابل سيضيع مكاسب وطنية هامة كان يمكن أن تتحقق بتوحيد الجهود بين النظام الحاكم والمعارضة في مثل هذه الظرفية التي التقت فيها مصلحة النظام ومصلحة المعارضة في ملف الحرب على الفساد.
صحيح أن كسب هذه الحرب سيحسب تكتيكيا للنظام الحاكم حاليا، وذلك لكونها كانت في فترة حكمه، ولكن من الناحية الإستراتيجية فإن المعارضة ستكون هي أكبر مستفيد، وذلك لأنها كانت في الماضي هي أكبر متضرر من الفساد. ثم إن سن محاسبة الأنظمة الحاكمة من بعد انتهاء فترة حكمها سيكون المتضرر منه مستقبلا هو الأنظمة الحاكمة لا المعارضة.
إن الحرب على الفساد هي حرب المعارضة من قبل أن تكون حرب النظام، ولذا فقد أحسنت بعض أحزاب المعارضة عندما قبلت بالتهدئة والتنسيق مع النظام، ولكن على المعارضة أن تظهر أكثر في الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد، وعليها أن تتبنى خطابا قويا مفاده أن هذه الحرب هي حربها من قبل أن تكون حرب النظام.
ثالثا / الشباب
إن الخط الأمامي لأي حرب على الفساد يجب أن يحتله الشباب لأنه هو المتضرر الأول من الفساد، وعلى الشباب أن لا يقبل بأن يخوض النظام والمعارضة هذه الحرب بالوكالة عنه، وعليه أن يكون في الصف الأول في خط المواجهة.
ومما يؤسف له أن الكثير من الشباب قد لعب دورا سلبيا في الفترة الماضية، حيث ركز في تدويناته على التشويش على لجنة التحقيق البرلمانية، وعلى التشكيك في جدية النظام في حربه على الفساد، وكاد ذلك أن يربك عمل اللجنة، وأن يؤثر بالتالي على جهود النظام المبذولة في محاربة الفساد.
تبقى هناك بشارة نرجو لها أن تكون بداية جدية لفرض وجود شبابي في الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد، وأقصد بهذه البشارة البيان الأخير الذي أصدرته بعض الحركات الشبابية، والذي وعدت فيه بالعمل من أجل خلق إطار يجمعها وينسق جهودها في هذا المجال.
خلاصة القول
إننا بحاجة إلى واجهة شعبية تجمع بين الموالاة النظيفة والمعارضة الراشدة والشباب الناضج من أجل حماية الحرب على الفساد من أي انحراف قد يقع. وإننا لن نكسب هذه الحرب إلا إذا توفرت إرادة سياسية جادة وهبة شعبية داعمة لتلك الإرادة السياسية الجادة.
حفظ الله موريتانيا…