الفساد الفساد سيدي الرئيس ! / السيد ولد صمب انجاي
فى هذا المقال ؛ وكغيره من المقالات ؛ التى أنشرها من حين لآخر عن آفة أتت على الأخضر واليابس ؛ ألا وهي آفة ” الفساد ” بمفهومه الواسع والفضفاض ؛ والتى اهلكت الحرث والنسل ؛ أقول سأتطرق عند تناولي لهذا المفهوم عن مخاطره ؛ الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ؛ هذا الثالوث الذي يمثل قطب الرحى لهذا العدو اللدود ؛ الذي طالما قضى على الدول ودمر اقتصادها ؛ وشوه سمعتها وصيتها داخليا وخارجيا . فما الذي نعنيه بالفساد ؛ وما آثاره وانعكاساته السلبية على المجتمعات ؟ وكيف تعامل الإسلام مع هذه الظاهرة المشينة ؛ و المدمرة للعالم ؟ .
نحن نجد أن الفساد عرف تعريفات كثيرة ؛ تشترك كلها فى وصفه بأنه ” إساءة استعمال السلطة العامة ؛ أو الوظيفة العامة فى تحقيق كسب خاص ” ؛ ويعرفه معجم أوكسفورد الإنجليزي قائلا : ” إنه انحراف أو تدمير النزاهة فى أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة ” .
وتعرفه منظمة الشفافية الدولية بأنه : ” كل عمل يتضمن سوء إستخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو لجماعته ” ؛ كما يعرفه البنك الدولي بأنه : ” إساءة إستعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ”
لانريد هنا حشر كل التعريفات
التى قدمت عن الفساد ؛ وإنما سنحاول تشخيص أسبابه؛ التى تختلف من بيئة لأخرى حسب الثقافة السائدة؛ والتى يمكن اختصارها فيما يلي :
1 _ ضعف الإيمان بالله والوازع الأخلاقي .
2 _ إتباع الهوى وانتشار الكذب والتملق والرياء وعدم الوفاء بالعهود والعقود .
3 _ طغيان وضعف السلوكيات الطيبة وعبادة الماديات .
4 _ تمسك واستئثار الحكام الأعمى بالسلطة ومحاولتهم المستميتة للحفاظ عليها وحتى توريثها ؛ كي يواصلوا مهنتهم المفضلة ” الفساد ” حتى ينتشر ويعم فى أروقة مؤسسات الدولة؛ ويلجموا الناس بلجام من قيود الفساد ؛ وحتى لا يسمح لهم بمطالبة حقوقهم ؛ وهذا النوع من الفساد يمكن وصفه بالفساد الأفقي أو الهرمي .
يضاف إلى ذلك سياسة الخصخصة وتحويل القطاعات العامة إلى الخاصة للحصول على أكبر قدر من التربح والمكاسب ؛ وحتى يشعر البعض أن القانون لا يطبق إلا على البسطاء والضعفاء من البشر؛ بينما بالونات الفساد من كبار الفاسدين فى منأى عن المتابعة و المحاسبة ؛ كما الحال اليوم ؛ فأية دولة هذه لا تحترم نظمها وقوانينها لتدوسها وتعفرها بمساحيق المذلة والمهانة واللاهيبة ؛ ولن ألقي باللائمة هنا على الدولة لوحدها بوصفها المسؤولة عن كل هذا ؛ وإنما يتحمل المجتمع وكافة هيئاته القيادية من ساسة وقادة رأي؛ وكذا من مجتمع مدنى وعلماء وفقهاء وتكتلات شبابية وصحافة ومثقفين ..إلخ الجزء الأكبر من ذلك ؛ فالفساد إذن يجب أن يكون ديدن وهدف الجميع ند؛ نظرا لخطورته على السلم الأهلي ؛ ولقد كان الدين الإسلامي سباقا إلى محاربة الفساد وسنعرج على ذلك من خلال استنطاقنا لحيثيات هذا المقال . وعود على بدء فالفساد يؤدي إلى التفاوت الأعمى فى الأجور بين عامة وكبار الموظفين فى الدولة بشكل يثير الحقد والغضب لدى البسطاء من الموظفين ؛ وقد يطال الفساد أجهزة الرقابة ؛ وهو ما يكثر فى بلدان العالم الثالث المخدرة والمخضبة أيادي حكامها بالفساد ؛ خاصة منها العسكرية التى دوما ماتاتي على ظهور الدبابات ضحى أو عشيا للانقضاض والاجهاز على الحكم بطريقة غير شرعية ؛ ثم ما تلبث أن تصفي على نفسها صفة المشروعية ؛ من خلال استقطاب أكبر قدر ممكن من السياسيين المدفوعين بحب التمالؤ ضد الوطن ونهب خيراته ؛ مستكين بعض القواميس التى تحاول إضفاء المشروعية على السلطة القائمة ؛ مثل التغيير البناء ؛ ورئيس الفقراء ؛ والعمل الإسلامي؛ هذه المفاهيم المغلوطة والمزيفة والزائفة والمضللة ؛ المطمورة بمساحيق الدمقرطة؛ هي ما يضلل الرؤساء حتى يخيل إليهم انهم ماكثون ؛ فيلجأون إلى تغيير الدساتير للاستماتة فى الحكم أو توريثه حتى ؛ لا تأخذهم فى ذلك الرأفة ولا الشفقة بالمواطن المطحون وراء آكام المشاكل والأمراض الفتاكة ؛ التى تؤدي إلى إنهيار الإقتصاد لاقدر الله ؛ وهكذا يعمد الحاكم إلى ابتزاز الكل نظرا للاستئثار بالسلطة وطاعة قومه له ؛ فيخرب البلد وتضيع هيبة الدولة كي يمارس مهنته المسجلة مسبقا فى لاوعيه الزائف؛ ألا وهي التجارة بمفهومها الواسع فتتيه سلطة وهيبة الدولة ؛ ويطغى الحكم الفردي ؛ خاصة أن الحاكم عندما يكون تاجرا فذلك هو عين الفساد وضياع الدولة ؛ ولنا فى قصة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ما يشي بذلك؛ فقد كتب إلى عماله كتابا ؛ يقول فيه ( نرى أن لا يتجر إمام؛ ولا يحل لعامل تجارة فى سلطانه الذي هو عليه …..الخ ) وذلك إدراكا منه أن ممارسة العمال والولاة للتجارة لا يخلو من أحد أمرين؛ إن لم يكن الاثنان معا : فإما أن ينشغل فى تجارته ومتابعتها عن أمور واحتياجات المسلمين ؛ وإما أن تحدث محاباة له فى التجارة ؛ ويصيب أمورا ليست له من الحق في شيء ؛ وبهذا القرار سد عمر منفذا خطيرا قد يؤدي إلى فساد إداري قلما تتوارى عواقبه ؛ وهو ما يحدث اليوم وخاصة فى عشرية القهر والبؤس ؛ حيث تجد كبار المسؤولين يمتهنون التجارة ؛ وليست العشرية الكوفيدية ببعيدة منا ؛ بحيث تحول فيهاةالكل الى تجار متمرسين ومتفننين فى شؤون التجارة ؛ وخلف من بعدهم خلف أضاعوا هيبة الدولة وأذاقوا المواطن وساموه غيا وظلما ونهبا ؛ ليتحول هذا الإجهاز اللاإنساني على مفهوم الدولة ؛ إلى موكب جنائزي تغيب فيه الدولة ؛ ليظهر مأتمه على محيا الفقراء والطبقات الهشة ؛ فنحن فى هذه العشرية لم نكن نمتلك رئيسا ؛ وإنما نمتلك تاجرا وتجارا غلبت عليهم أنانيتهم ؛ وحبهم اللامحدود للبحث عن الثراء وإن كان على حساب المواطن ؛ تاركين بصماتهم الافسادية والفسادية ؛ اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؛ فكيف تجلى ذلك ؟ .
_ على المستوى الإقتصادي :
فالفساد يؤدي إلى إعاقة النمو الاقتصادي؛ ما يقوض كل خطط التنمية؛ باعتباره عملا إجراميا ؛ يحمل الكثير من المغالطات والارقام المضللة للرأي العام ؛ فنحن مواطنون أثرياء فى البيانات التى تقدم ؛ فقراء فى المعلومات .
_ على المستوى السياسي :
يتسبب فى تشويه سمعة الدولة عالميا ومحليا ؛ حيث تفقد الدولة المصداقية لدى مواطنيها ؛ وشركائها ما يؤدي إلى تراجع ثقة الأفراد فيها .
_ على المستوى الإجتماعي :
وهو الأدهى والأخطر ؛ يتمثل فى إنهيار النسبج واللحمة الاجتماعية؛ وإشاعة روح الكراهية والتباغض والجفاء بين الفئات الإجتماعية ؛ نتيجة عدم المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ؛ فيفضل البعض منهم زوال تلك الدولة ؛ وفى نهاية المطاف فإن التأثير المباشر وغير المباشر لتداعيات الفساد الإقتصادية والسياسبة على استقرار الأوضاع الأمنية والسلم الإجتماعي ؛ قد يأتي بنتائج وخيمة لا تحمد عقباها ؛ وهو ما جعل الدين الإسلامي يتعرض لظاهرة الفساد ؛ كي يعالجها ويبين خطورتها على الفرد والمجتمع ؛ فالدين الإسلامي كان سباقا إلى تقديم العلاج الشافي والكافي لظاهرة الفساد ؛ إنه ثورة ضد الفساد ؛ بدءا بفساد العقيدة ؛ وانتهاء بالفساد المالي ؛ فقد جاء الدين محررا للناس؛ من عبادة العباد إلى عبادة خالق العباد ؛ وهكذا عالج بطريقة حكيمة ؛ وقويمة مسألة الفساد ؛ مشخصا أسبابها وأعراضها ونتائجها ؛ وهذا هو نهج الإسلام فى محاربة الفساد ؛ باعتبار جريمة الفساد مخالفة صريحة للأوامر الإلهية .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
حفظ آلله البلاد والعباد من شرور الأسقام وسوء الفاسدين .
كيفة بتاريخ : 28 / 05 / 2020