الأخبار

ابنان لأسرتين موريتانيتين ثريتين فيهما عبرة لمن يعتبر (تفاصيل مثيرة)

“وإن تَعُدُّوا نِعمةَ اللَّه لَا تُحصُوها”
خرجتُ لاستقبال قريب قادم مِن خارج البلاد ذاتَ ليلة خَرِيفية لاحَ هلالُها دقيقا ثمَّ خَلَفه ظلامٌ لَبِست الأرضُ منه جِلبابا..وكنت ألوي على الطُّرق راجلا إلى المطار القديم قبل أن تُصبح معالمُه بلاقعَ..وفي رَحبة المستقبِلين وعلى مقاعدها المتَحجِّرة وتحتَ أضواء مصابيحها الَّتي خَلا لها الجَوُّ جلستُ أَرقُب طُلوعَ بُشرايَ.

وبَينا أنا أنتظرُ وأذبُّ برَاحتي حشرات الخريف عن وجهي إذ وَقفت سيَّارةٌ لامعة كأنَّها سَهم غَرْب زالق على جليد, ونزل منها شَبَبَة كأنَّهم من آثار النَّعمة قد توسَّدوا الدُّنيا, ولَحقت بهم نِسوة كُنَّ في انتظارهم, فتوجَّهوا جميعا إلى المقعد الأماميِّ تَوجُّهَ النَّهر إلى مَجراه, حيث يجلس فتًى من طينة الرَّفاه, كان يُقلِّب فيهم الطَّرف بوجهه الباسم, ويُكلِّمهم بهدوء, ويُشير بيَدَيه في أريحية, وكانُواْ معه بين يَدي أميرٍ مَودُود, لم أرَ منه غيرَ وجهه ووَشْي ثَوبه الأنيق, في مشهد يُغبَط عليه, ثمَّ رأيتُ الأمر المُثير.

وذاتَ يوم بَحريٍّ حطَّمت أمواجُه العاتية كلَّ رغبَةٍ في الصَّيد جلستُ على رمال الشاطئ المصقولة أتنسَّم هواءَه الملاطف..وإذا بسيَّارة فاخرة تشقُّ الرِّمالَ.. كأنَّها إبلٌ يَحدو بها الحادي..

توقَّفَت غيرَ بعيد منِّي ونزل سائقُها وعاملٌ معه بمتاع وطعام, ثمَّ فتحا الباب عن شابٍّ نعمه أهلُه, فجرَى بتعثُّر نحوَ الماء ضاحكا, فبسطا له فِراشا مسرُورَين كأنَّما يَتنزَّهان في رَوضة, فارتَفق عليه, وكان بينَ عاملَيه سَيِّدا مَحفودا.. في مشهد يتمنَّى مكانَه فيه ذَوُو الغايات..ثُمَّ قام الفتَى وكَشف لي عن أمر مُثير..

كثيرا مَّا نَخوض لُجَج المظاهر بالتَّمنِّي, وننسَى في خضَم ذلك نِعمَ ربِّنا السَّابغة..بل يُكفرُ بها ويُتمرَّد على طريقها اللَّاحب, فيقع التَّهتُّك والظُّلم والجَور لبلوغ مظاهرَ قد تُنال, ولكن تُفقَد في جَوِّها نِعمٌ لا تَصفُو الحياة إلَّا بها.

أمَّا صاحبُ المطار فعجبتُ مِن صاحبِه حين أنزل من السَّيَّارة كرسِيًّا متحرِّكا وأقامه بينَ يَديه..سُبحان الله, تَدحرجَ الفتى الوَضِيءُ ليجلس عليه, إذ لم يَكُن له رجلان ولا فَخِذان..بينما يَقف أحدُنا على رجلَيه وينسَى نِعمةَ اللَّه مغرورا بمظهر.

وأمَّا صاحبُ البحر فكان مريضا عقليا يضحك بغير سَبب ويجري لغير هدَف وكان متعثِّرَ الخطى..فهيَّأ له أهُلُه كلَّ شيء إلاَّ العقل..ومع ذلك يُفكِّر أحدُنا وينسَى نِعمة الله مغرورا بِمتاع.

إنَّها مشاهدُ تَلوح لنا كثيرا..ولكنَّ أكثرنا “يَعرفون نِعمةَ الله ثُمَّ يُنكرُونها” والله المستعان.

من صفحة المدون والكاتب محمد سالم المجلسي


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى