آراء وتحليلات

كورونا: بين نظرية المؤامرة.. والعقاب الإلهي.. وترتيب الأولويات للدول الكبرى

أ. د. جمال الشلبي
بين نظرية” المؤامرة” ونظرية “العقاب الإلهي” ينقسم العالم حول الوباء العالمي “كورونا” الذي اجتاح العالم منذ كانون الأول/ ديسمبر 2019، دون أن نجد له حلاً بعد مضي ما يقارب الـ 4 أشهر، ما جعل العالم يعيش حالة من القلق وعدم الاستقرار النفسي والاقتصادي المتصاعد، لاسيما في ظل غياب “أي مؤشرات” جدية عن قدرة المعامل المخبرية المتخصصة في الوصول إلى علاج قريب يكون متاح لجميع دوله الصغييرة والكبيرة، والفقيرة والغنية على حد سواء.
ان حجم الوباء وانتشاره يؤكد على وجود “سر ما” لا نملك الدليل على وجوده إلى الآن، وإن كنا على يقين بأنه ربما علينا الانتظار 50 عاماً قادماً لنعرف حقيقة ما جرى عبر” وثائق ويكليكس “جديدة قادمة في المستقبل، لا سيما فيما يتعلق بـ “توقيت” انتشاره الذي جاء في ذروة الصراع الصيني الأمريكي وتصاعده، ومكان “نقطة انطلاقه” من الصين وإيران.
والشيء الملفت أن الصين الأكثر تضرراً بعدد الاصابات بما يقارب81 ألف شخص، و3225 حالة وفاة، تبعتها إيران بعدد25 ألف اصابة، ووفاة 853 شخص. بالمقابل، تُعد إيطاليا الأكثر حضوراً في نقاشات كورونا السياسية، واستبعاد “نظرية المؤامرة”، كونها تقع في عقر أوروبا، واسمها يكفي للتذكير بـ “إمبراطورية روما القديمة” التي حكمت العالم بعدد وصل إلى 24 ألف إصابة، ووفاة 2158 شخص ما جعلها تصنف في المرتبة الثانية بعد الصين، وهو عدد كبير نسبياً.
أما في جغرافية ما بعد المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وصل عدد الإصابات إلى ما يقارب الـ 5000 اصابة، والوفيات 78 شخص، وانتقال الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب من إنكار حجم هذا المرض وأثره إلى إعلان حالة الطوارئ ورصد 50 مليار دولار لمواجهة هذا الفيروس الخطير.
وفي ظل وصول المصابين في العالم إلى 158 ألف شخص، وإغلاق الحدود الدولية لـ 130 دولة مع العالم الخارجي لحدودها تبرز التساؤلات الآتية: كيف يمكن أن يتصرف المجتمع الدولي ودوله؟ وما هو دور الأمم المتحدة وأذرعها المختلفة في ظل شلل أعضائها الكبار؟ وهل من الممكن – وان كان هذا الاحتمال مستبعداً- أن تندلع حرب بين دولتين مثل إيران والولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل في حين أن العالم مشغول بمواجهة فيروس قاتل؟
وعلى الرغم من صعوبة الإجابة عن سبب هذا المرض وخلفياته السياسية والاقتصادية وربما النفسية، يمكن القول بأنه من الصعوبة بمكان قبول “نظرية المؤامرة” التي أشار إليها الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية بالحديث عن دور الجيش الأمريكي المحتمل في انتشار الفيروس بغياب دليل مادي ملموس ومحسوس، وأن كان حدسي الشخصي والأكاديمي يميل إلى هذا الرأي. وربما ما يقلل من شأن هذه الفرضية – على الأقل في هذه المرحلة بانتظار تكشف حقيقة ما جري – تأكيد صحيفة نيويورك تايمز بأنه من المحتمل أن يصل عدد المصابين في الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الفيروس ما بين 160-240 مليون شخص، وكذلك تأكيد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أيضاً بأن نسبة ما بين 60-70% من سكان ألمانيا سيمسهم هذا الفيروس، ناهيك عن حديث رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون الصادم الذي أشار فيه إلى احتمالية “الكثير من العائلات البريطانية ستفقد أحباءها قبل الأوان”.
إذاً، ما هو الحل؟؟
الحل يكمن بطرح المزيد من “الأسئلة الحقيقية” المباشرة على أصحاب القرار المؤثرين في العالم، وخاصة في الجانب الغربي منه، والبدء في التفكير بها، وتحويل المقترحات الناتجة عن التفكير إلى استراتيجيات عمل مستقبلية لصالح الإنسانية والإنسان: ألا يكفي الأموال التي دفعت لشراء أسلحة عبثية وصلت فاتورتها في عام 2018 إلى 420 مليار دولار كانت كافية لتغذية ربع العالم في سنة واحدة.؟ وماذ عن شكل سباق السلاح المستقبلي وفاتورته ؟ وماذا عن الحروب وتكلفتها في اليمن، وأفغانستان، وسورية، وليبيا؟
نظرياً، ومن وجهة نظر مثالية يمكن الدعوة لتأسيس “مجلس حكماء”على مستوى العالم يُشكل من سياسيين وإعلامييين، ورجال دين، وأكاديميين، ورجال أعمال، مشكلين صندوق أفكار معرفية وقيم إنسانية لأصحاب القرار في العالم من ناحية، قادر على توسيع هامش الحكمة والأخلاق في العلاقات الدولي لإيجاد حلول عملية، وتغليب فكرة “التعاون، والتنسيق، والتكامل” بين الدول على فكرة “الحروب، والصراعات، وسباق التسلح”، في ظل معايير وقيم جديدة يقبلها الجميع لصالح المجتمعات، والدول، والإنسان بكليته؟
من جهة أخرى، ألا يمكن استغلال فرصة وجود هذا المرض المسلط على رقابنا جميعاً، ليمدنا بالكثير من مشاعر العقلانية، والحكمة بدل روح المصلحة الأنانية، والرغبة القاتلة في السيطرة على الأخر، أي كان هذا الآخر، والانتصار عليه وتركيعه؟
شخصياً، لا أعتقد بأن الدول ستغير من قيمها وسلوكها السياسي بسهولة وبطوعية ذاتية، ولا يمكنني أن أتخيل دولة مثل أمريكا أو روسيا أو فرنسا أو بريطانيا ستصبح “دول حكيمة” في ليلة وضحاحا نتيجة هذا المرض، لكن بالتأكيد أن هذا المرض سيعيد “ترتيب أولويات” هذه الدول ورؤاها بطريقة تشمل في ثناياها جوانب جديدة كشف عنها هذا المرض القاتل- والذي سنرى مثله بالمستقبل تحت شعارات حرب جرثومية أو حرب بيولوجية قادمة – ما يعني ضرورة وقوف الإنسانية صفاً واحداً كمجموعة، ليست فقط في ظل الأزمات والكوارث والأمراض بل وأيضاً في ظل الأوضاع الطبيعية، والمستقرة للدول ومجتمعاتها.
ومع ذلك، يبقى “السؤال الأبدي” في ظل وجود أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية، وكوارث طبيعية، وسياسات دولية ملغومة “من يستفيد من الجريمة؟” كما يقول المثل الفرنسي!!.
الأيام حبلى بالمفاجأت المتوقعة كما أظن!!

أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى