الأخبارثقافة

طالب موريتاني يروي قصة طريفة عن جوع الطلاب أيام الدراسة في تونس

من أيام المسغبة في تونس

منزل “الخالة دليلة” (المشهد الأول)

المكان: الطابق الأول من بيت “الخالة دليلة” في حي ابن خلدون بمدينة تونس

الزمان: بداية صيف 1994

كان من المألوف أن يتأخر صرف منحة العطلة الصيفية (Bourse de vacances) فتنقطع شهور الصيف دون زاد أو ميْرة.

تفرق سكان المنزل من مؤجرين و “رسكاية” سالكين طرائق قددا للبحث عما يقيم أودهم، فمن دائر بين بقية بيوتات الطلبة في حي ابن خلدون، ومن قاصد حي “العمران الأعلى” أو “التحرير” ف “باردو”، ومن نازح إلى حي “الإنطلاقة” وربما تجاوزه إلى “لمنيهلة” وربما “رسكى” أحدهم في وسائل النقل مطوحا نحو “المروج” أو “حي الخضراء”

أما أنا وصديقى الأستاذ الجامعي الحالي فقد آثرنا عدم المخاطرة بما تخزنه أجسامنا النحيلة من بقايا سعرات حرارية أو دهون دقيقة عسر على الجوع حرقها حتى تلك الللحظة.
وفى لحظة من لحظات الأمل العصي قررنا أنه من المستحيل أن لا يحوي ذلك المنزل بغرفتيه ومطبخه أي شيئ قد يساعد على سد الرمق.

دخلنا المطبخ بمعنويات مرتفعة وبدأنا البحث كما لو كنا ننقب عن الذهب، اتفقنا على إعداد وجبة مهما كانت المكونات، المهم أن تكون قابلة للإستخدام الآدمي أو حتى الحيواني
كانت محصلة تلك الغارة الخاطفة على جبايا المطبخ وزوايا الغرف كالتالى

– 200 غرام تقريبا من مادة ” الفريك” المستخدم عادة لتكثيف الشربة وبالطبع لم نلتفت لتاريخ صلاحيتها المنتهي بالتاكيد
– حفنة من السكر عالقة في قعر علبة تخزين السكر، لم تستخدم في “الأتاي” لنفاد الشاي ، ولم تستخدم لتحلية المذق لغياب اللبن أو الحليب

– حزمة من أوراق النعناع الجاف فقدت قيمتها في غياب الشاي كما يفقد الرحل قيمته عند غياب الركوبة
رطل من دقيق ملح الطعام

شرعنا في إعداد الوجبة واضعين نصب الأعين زيادة قدرها ما أمكن من خلال إضافة أكبر قدر ممكن من الماء والسكر والملح باعتبار “الفريك” و “النعناع” يشكلان العمود الفقري للوجبة
لم تكن النارالمستعرة تحت القدر أبرد من تلك التي يؤججها الجوع فى أمعائنا الدقيقة، وبعد نصف ساعة من تحريك الوجبة والإنتظار البطييء، إنفضت العملية المعقدة عن مادة هلامية لزجة غريبة اللون والطعم

لقد دفعنا الحرص على زيادة الكمية إلى تحميل الوجبة ما لا تحتمل من الملح والسكر معا،

تقول دراسة علمية إن تناول مزيج ملعقة من الملح وملاعق من السكر يساهم في معالجة الأرق، لكننا لم نحترم المقادير، كما أن مشكلتنا الأساسية كانت الجوع ولم تكن الأرق،
حاولنا بشتى الطرق علاج الخلل البنيوي فى الوجبة، لكننا فشلنا تماما كما تفشل الخطط التنموية في الدول المتخلفة
مرت دقائق ونحن نتبادل النظرات ونحملق – من حين لآخر- في التجربة الفاشلة كما يحملق طالب مجتهد في لائحة ناجحين خلت من اسمه

ورغم الشعور بالإحباط وخيبة الأمل كما لو كنا فريقا من الدرجة الأولى انهزم على ارضه وأمام جمهوره من فريق غير مصنف، إلا أن أحدنا لم يحمل الآخر مسؤولية الفشل الذريع فقد كانت بالفعل مسؤولية مشتركة

بعد الإستفاقة من هول المصيبة قام صديقي – في حركة اشبه ما تكون بردة فعل لا إرادبة يقوم بها رجل آلي- قام بسكب ما بقي من السكر في إبريق الشاي وصب عليه بعض الماء ثم أفرغ المحتوي في كؤس الشاي واعاد إفراغ الكؤوس في الإبريق حتى امتزج السكر بالماء البارد ثم أترع كأسا من ذلك السائل المحلى وشربها دفعة واحدة وأترع كأسا أخرى ومدها إلي قائلا: إشرب كأسك، فقلت له ألم يكن من الأفضل أن تقوم بغلي الماء؟ لكنني لم احصل على رد منه حول ملاحظتي حتى اليوم.

من صفحة الدكتور ورجل الأعمال / عبد الله محمدن امون


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى