أعلام

نبذة من حياة العلامة يحظيه ولد عبد الودود

بقيَّةُُ عن شيخ الشيوخ يحظيه بن عبد الودود وفَّيتُ ما قدَّمتُ فيها من عِدهْ؛

تدوينتاي هاتان لا تفِيان بما حُمِّلَتِ الضلوع من تعزير و توقير لهذا العلَم الصدر و ليستا عٌشُرَ معشار طيِّب خبَره الذي صدَّقَه خُبْرُه فعَظُم أمرُه و ثَمَّ من ثافن الذين عاشوا معه اللياليَ و الأيام و أنِسفموا به في ترحاله و المقَام فتطاير عليهم شَرَر أنواره و علومِه فأَحرزوا بذلك تَجْلِيَة السابق و تَصْلِية اللاحق و لَأَنا أَشْوَق إلى أحاديثهم الطيِّبة-لو حظِيتُ بها- من الصدي للخَصِر العذب وقد أَسِفتُ أنني لم أَطَّلع على منظومة مم بن عبد الحميد في شمائل الشيخ الخَلْقِية و الخُلُقية ولم أحفظ منها ما أٌطَرِّز به هذه النُّتَف اليسيرة و لنصرِف عنان القول قبل ثَنيِه ولننشُره قبل طيِّه؛
كان من ظُرَف الشيخ التي تُنثَر في دُرَر دروسه قولُه عند ذكر ما اتفق عليه الأخفش و الكوفيون من مسائل النحو :إن الأخفش يوافق الكوفيين لأنه يدلي لهم بمصاهرة (امْصاهْرْهم) وربما قال: إن الأخفش مقيم مع الكوفيين إقامة المنتجعين السَّفْرِ (نَزْلَ امعاهم)؛
و من عجيب ما يتعضَّد به ما قاله الشيخ في شأن هذه الصهارة أنني سمعتُ من الشيوخ في ترجمة الأخفش أنه ساءه ما بلغه في شأن المسألة الزنبورية مِن هَضم حقوق شيخه سيبويه فشدّ الرحْل سافِرًا السفَر القاصدَ وِجهةَ الكسائي إمامِ الكوفيين الذي باءَ بكِبر المسألة الزنبورية التي جرَّ حبلُها أحبلا إذ عظُمَت غُمَّتُها و عَندَتْ غُصَّتُها في حَلق سيبويه الذي لا يُسيغ غيرَ نافع العلم و ثاقِب الفهم فقَضَتْ عليه؛
جاء الأخفش و الكسائيُّ متربِّعُُ في حلقته جِلسةَ الشيوخ و سأله عن مسائلَ لم يُحِر فيها شيخُ الكوفيين جوابا فكانت القاضيةَ عليه و همَّ الطلَبَةُ أن يدوسوا الأخفش بالأقدام كما فعل أهل الشام بالنسائي لمَّا لم يذكر لمعاوية مناقبَ من صحاح الأحاديث التي عُلِّمَها؛ لكن الشيخ الكسائي دفَع في صدورهم زاجرا لهم عن دِينِهم العُرفيِّ فيمَن خالف شيوخَهم و بعد أن اطلَع الكسائي أنَّ ثَمَّ من هو أعلى كعبا منه في هذا الفن جلس من الأخفش مجلس المتعلِّم و درس عليه كتاب سيبويه سِرًّا و درَّس أبناءه من حُرِّ هذا الفن ما لا يجدونه عند الآباء و إن جَلُّوا و أُهِّلوا؛
فلا يبعد حينئذ ما ذكره الشيخ يحظيه من أن الأخفش إنما كثر وفاقه للكوفيين لأنه بلدِيٌّهم بل هو من شيوخهم فلعلَّه كان مستندَهم في كثير من أقوالهم أو أقرَّها لهم إذ لم يظهر له بُطلانها؛
وقد هممتُ أن أجمع ما وافق فيه الأخفش الكوفيين مما اطلعتُ عليه أيام كنتُ أنقِّب في كتُب النحو إلا أنني وجدتُ في الهِمَّة فتورا و في الاطلاع قُصورا و عسى الله أن يبذل الحكمةَ لأهلها و يغفرَ لمدَّعِيها وما ذلك إلا بفضله و رحمته؛

كذلك من كلام الشيخ يحظيه لمَّا سُئل عن إقامة درسه أيام التَّعلُّم و قِسَم الزَّمن التي بَنى عليها كتابَه الموقوت :إن الدرس الليلي -وقد تتعذَّر المصابيح-يَسيح له ليجمَع الحطب الجزل و يأجِّجَ نارا يستضيء بها ليلتَه تلك فلا تُضيعُ ظُلَمُ الليالي لآلئ وقته؛

وأمَّا شيوخ يحظيه الذين طوَّقوه منَّة التزكية من رذائل الأنفُس و التحلِّي بصقيل الحق الأَنفَس إخلاصا لله تعالى و إيصالا لِبَابِه بسيرةٍ مُثلى لا يخالِف باطنُها ظاهرَها ولا ظاهرُها باطنَها فهم آل الوليِّ الصالح محمذن فال بن مِتَّال رضي الله عنه وقد كانت والدةُ الشيخ يحظيه من حزب الشيخ ابن متَّال و شِيعته الفٌضَّل وقد وفد عليه يحظيه أيَّام صِباه و في إحدى زياراته الميمونةِ أدرجه في كُمِّه وكان الشيخُ يحظيهِ يرى أنه نال من ذلك حُظْوةً عظيمةً فلا يزال يذكر ذلك اللقاءَ الطيِّب و يَجِد بردَه على كبِد مقروحة بحُبِّ هذا الولي الصالح و ينشد في ذلك:
فكان ما كان مما لستُ أذكره//
فظُنَّ خيرا ولا تسأل عن الخبر//؛
وقد كان شديدَ الإجلال لآل متال و ذُكِر لي بالسند الصحيح المتصل أن أحد حفدة الشيخ ابن متَّال وهو اكْليكْم المعروف كان يَدرس في محضرة الشيخ والشيخُ إذ ذاك قد أسن فكان القائمَ بأعباء دروسه بعده الشيخ مم بن عبد الحميد فهَمَّ أحد الطلبة أن يدرُس قبل اكليكم ووقع بينهما نزاع فقال ممُّ :(اكْليكْم عَندِ عَنَّكْ مشِّ) فساء ذلك هذا الطالبَ و ذهب مغاضِبا فبلغ ذلك يحظيه و قال:(مَن رحل عنَّا لِمَا ساءه من تقديمنا لآل متَّال فما أضَرَّ به إلا جهلُه)؛
وهذا ليس مما يٌنكَر أبدا-وكفى بمثل الشيخ حُجَّة- إذ هو مِن شُكر أرباب النِّعم الذين أوصل الله على أيديهم حظايا الآلاء و جلائل النَّعْماء و تعظيمِ أبناء الصالحين و القيامِ ببعض حقوق الآباء في الأبناء فهم آثارُُ لا تخرُجُ أنكادا و يُرجى لهم من الخير ما يُخاف عليهم مثلُه من الشر؛
وكذلك رويتُ بالسنَّد غيرِ المعضَل أن الشيخ وفدتْ عليه إحدى عجائز إخوتنا (بَمْبارَه) وهي مستأجَرة للعمَل في بيت عبد الرحمن بن متال ومن شِيعَة آل متال فكان الشيخ يحظيه يتبرَّك بها و يقول في ذلك عبارةً لطيفة ثَنيتُ عنها العنان لا استهجانا لها -وأعيذ نفسي من ذلك-؛
وكأنَّ الشيخ يحظيه يُنشِِد فيها قول القائل بلسان حاله الحالي بالمعارف و العلوم:
تَضُوعُ أرواح نجد من ثيابهم//عند القدوم لقرب العهد بالدار؛

وقد أخذ الشيخُ يحظيه الطريقة الشاذلية عن الشيخ المختار بن ألُمَّا الذي أخذها عن ابن متَّال وقد نظم ذلك العلامة محمد عالي بن عبد الودود بقوله:
لكن على واسطة المختار//نجلِ ألمَّا العلَم المختار//
نجلِ اللذَيْن خَتَما بنيه//فنَوِّهن ما شئتَ من تنويه//؛

و أماَّ كراماته فمنْها -وقد رويتُه عن أبرز المبرِّزين ممن رواها عن الشيخ محمد عالي بن عدود-أنه أشيع ذات مرة أن طلبة الشيخ انهارت عليهم بئر يستقون منها تدعى(الشّْريعَه) فأعلِم الشيخ بذلك القائلةَ واليومُ عصيبٌُ وهو إذ ذاك قد بلغ من الكِبَر عُتِيًا فاستند على الشيخِ محمد عالي ذاهِبَين إلى البير التي فشا أنها غدَرَت بخيرة أصفياء الشيخ و هو يقول :(لا تقدِر الشّْريعَه أن تفعل بطَلَبتي فَعَلاتِها) (ما اتكد الشريعه اتعدَّل هذا لتلاميدي ايَّانَ)؛وكان عرَق الشيخ سائلا على محمد عالي من شدة الحر و لَذَلك العرقُ الأنْوَر أحبُّ إلى محمد عالي من اللُّجَين و الطيب الأذفر؛
وصَل الشيخ مكان البير فتبيَّن له خلافُ الأمر المُشاع و سلامةُ الطلبة؛ وقد ذكر بعضهم في شأن هذا الأمر الإِمر أن الشيخَ يحظيه لا يُستنكَر أن يكون من الذين لو أقسموا على الله لأَبرَّهم إذ هذه الداهية تواترت تواتُرا قريبا من الصحة؛

وكذلك من عجائب قصص يحظيه التي هي ربع عزة كراماته-وقد سمعتٌها من عَلَم الأعلام ورواها لي عدلُُ آخَر عبدُو بن الشيخ المختار عن العلامة انَّ بن الصَّفِّي الذي كان يغشاهم في إحدى المدارس بانواكشوط -أنه وفد عليه وافد ممَّن يتعاطون مدح النبي صلى الله عليه وسلم مِهنَةً و هُم من العامَّة أو كان المنشِدَ ابنُه أوفَى وهو ذو نَغَمة طيِّبةٍ (شكُُّ مني وأغلب الظن أنني سمعتُها منسوبةً لهذين) فمدح له النبي صلى الله عليه وسلم فَسُرِّي عن الشيخ يحظيه و اهتزت دوحة معارفه التي وَجدت من سُقْيا المديح ما تربو به و تسَّاقَط رُطَبُها الجَنِيَّة فسأله سائل هل يحضر النبي صلى الله عليه وسلم مجلس مدحه؟؟ فحلَف يحظيه- وقد قال أحد مشايخي:إن يحظيه عالم بأحكام اليمين و قد درَّسها ستين سنة-:إن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر في هذا المجلِس يبتسم؛(والتّْمْر و السُّكَّرا)؛
ولا ينكِر مثل هذه المسائل إلا قصير الباع قليلُ الاطلاع فالأمر أُلِّف فيه و بُسِط بَسطا يجعله على طرف الثمام و أُنيرت حوالكه بتأليف السيوطي(تنوير الحلك في جواز رؤية النبي و الملك)؛

وأما محبته للنبي صلى الله عليه وسلم فقد خالَطَت منه الأحشاء و الكبِد ولا بسط لي في ذلك إذ هي ولله الحمدُ قرينة الإيمان؛فلكُلِّ مؤمنٍ منها قسطُُ نافعُُ قليلُه و قليلُُ كثيرُه و قد عظُم منها كِفْل هذا العَلَم الذي غَذَته أيادي الفضل و العِلم بهذه الخِصِّيصَى العظيمة من التعلُّق بشرَف الوجود صلى الله عليه وسلم و رؤيتِه يقظة و الله الوهَّابُ الحكيم؛

ومن حكاياته التي أجِد فيها متنَفَّسا حين تنبو السهام العائرة عن مُرْتَماها في شأن الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف أنه أيامَ ربيعٍ شريف سأل الطلبةَ عمَّا قيم به من ضيافة نَصرانٍ وفد عليهم قبل مُهَلِّ الشهر فقيل له:أكرمناه و ذبحنا له كوماء وكان من إكرامه كيت و كيت …. فقال لهم مستنكِرا : و عيدُ المولد؟؟ أيجِد النصراني من الإكرام ما لا يجده خير وافد ؟؟ ثم أمرهم بنحر ثور يأكلون من أطايبِ لحمه و شحمه ثم يأخذون جِلده بعد يُبسِه لضرب الدُّفِّ طَرَبا و بهجةً بأكرم الضيفان ميلاد سيد بني عدنان صلى الله عليه وسلم.

ذي المعالي فلْيَعْلُوَن من تعالى//
هكذا هكذا و إلاَّ فلاَ لاَ//

والله يرضى عنه و لا جفَّت ينابيع علمه ولا ذهَبَ عملُه الصالح سُدًى.

من.صفحة الأستاذ/ حدو الشواف


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى