آراء وتحليلات

رد الإمام سيدي يحي ولد عبد الوهاب على المقال الذي أغضب جميع الموريتانيين

كنا في وكالة أنباء الركب قد نشرنا المقال الذي أغضب جميع الموريتانيين ووعدنا بنشر الردود ، ونبدؤها برد الإمام سيدي يحي ولد محمد ولد عبد الوهاب وهذ هو مقاله والذي كتبه تحت عنوان: ” شنقيط محبرة العلم والإيمان”:

كان من قضاء الله تعلى – ولا مرد لقضائه- أن مر بى أحد الإخوة الأفاضل فدفع إلى أوراقا تحمل الكثير من الطعن والسب والشتم …. لأهل شنقيط وساكنيها من علماء وفقهاء وظرفاء وبرآء ، وقال لى إن صاحبها قد نشرها على موقع يدعى (موقع أهل الأثر) فتملكنى التعجب والإستغراب قبل قراءة كلماته هذه وكتبت على الفور فوق تلك الورقات – مازحا- لما قرأت عنوانها الذى هو(بلاد شنقيط مقبرة العلم والإيمان):

ما ضر تغلب وائل أهجوتها + أم بلت حيث تناطح البحران

ولما ذهب الأخ الذى أتانى بالأوراق بدأت أقرؤها فوجدت فيها من الكذب والزور والحقد الدفين فى قلب كاتبها ما يندى له الجبين وتشيب له الولدان وتخر منه الجبال هدا ، فقلت فى نفسى لا جرم .ما الذى يضر شنقيط وأهلها من العلماء والفقهاء والشعراء إن نبح فى البيداء كلب عادي أو عوى ذئب على صخرة من رأس جبل

لو كل عاو عوى ألقمته حجرا + لأصبح الصخر مثقالا بدينار

ولكننى فى الحقيقة تجرعت ألم هذا الكذب والزور والبهتان فلم أكد أسيغه ممن يدعى أنه ينتسب إلى طلبة العلم ويزعم أنه قطع فى ذلك المسافات الشاسعة….. فاستخرت الله عز وجل في كتابة هذه الكلمات ، وأعلم يقينا أني لست أغير على بلاد شنقيط من غيرى من أبناء هذه الأمة المخلصين لدينهم وأمتهم وضمائرهم ولكننى تذكرت مجالس العلماء هنالك والمحاظر التى تعج بالدارسين الذين لا يريدون بدراستها التحصل على مراتب أو ألقاب دنيوية زائلة (ماجستير دكتوراه……) تذكرت تلك المجالس فذكرتنى بيتين حفظتهما فى الصغر للإمام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:

وذ كرنى طيب الزمان وحسنه + مجالس قوم يملئون المجالسا

حديثا وآدابا وفقها وحكمة + ونورا وإحسانا وخلا مؤانسا

وتذكرت أن من الواجب علي شرعا تغيير هذا المنكر بما يمكننى تغييره من المراتب التى ذكرها النبى صلى الله عليه وسلم فى صحيح مسلم وغيره (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وبما أن الكلام فيه من التطاول على مقام علمائنا ومشايخنا الشىء الكثيرفقد تذكرت أيضا ما قاله الإمام العالم العلامة ممو بن عبد الحميد فى نظمه لسيرة شيخه العلامة المحقق شيخنا يحظيه بن عبد الودود رحمهم الله تعالى:

أحســن إلى الشيخ وفيه أطـــــلق + حضـر أو سافر مات أو بقي

وانصر وجاوب عنه من قولا أسا + وإن عجزت فلتنائى المجلسا

ومن إليــــــــــــه كقــريب ينسب + كذاك إحسان إليه يطلـــــــب

وقد ساورتنى الشكوك كثيرا عندما قرأت كلامه هل هذه البلاد التى يتكلم عنها ويكيل لها السباب والشتائم جزافا هى بلاد شنقيط التى عهدتها ونشأت وترعرعت فى أحضانها وثنيت الركب عند بعض علمائها :

أحب بلاد الله ما بين منعج + إلى وسلمى أن يصوب سحابها

بلاد بها نيطت علي تمائمى + وأول أرض مس جلدى ترابها

أم ان الطائرة التى كانت تقل الأخ الفاضل قد أخطأت وجهتها فهبطت فى مالطا أو في جزر الكناري فحسب الأخ أنها بلاد شنقيط.
وعزاؤنا أن الكثير من الطلبة الخيرين من شتى اصقاع المعمورة قد وفدوا على بلادنا فنهلوا من علوم علمائها وترسموا هديهم ودلهم ورجعوا سفراء لها فى بلادهم يتغنون بشمائل علمائها وأخلاقهم وزهدهم وتواضعهم ونكرانهم لذواتهم ولم يجازوها جزاء (سنمار) ولعل الأخ الكاتب لم يستطع صبرا على مر الطلب فى هذه المحاظر ولم يتسلح بما يلقنه الآباء فى هذه البلاد لأبنائهم من آداب طلب العلم فى نصيحة حمادن ولد الأمين المجلسي لأبناء المسلمين :

له تغرب وتواضع واتبع + وجع وهن واعص هواك واترع

حتى ترى حالك حال المنشد + لوأن سلمى أبصرت تخددي

ودقة في عظم ساقي ويــــدي + وبعد أهلي وجفاء عــــــودى

عضت من الوجد بأطراف اليد

لم يستطع الأخ القادم الصبرعلى تحقيق هذه الآداب فراح يرمى على الآخرين بدائه ويتولى .

إن من كرم محتده وطاب عنصره لا يسافر من بلد إلى بلد ليتتبع الزلات ويتقفى العثرات وينظر إلى العورات …فنحن لا ندعي أن شعب بلاد شنقيط شعب ملائكي سالم من العيوب ، بل نعترف أن لدينا بعض الأعراف والعادات – وإن كانت فى طريقها إلى الاضمحلال والزوال- نحن أول من ينكرها وقد تكلم عليها علماؤنا كثيرا فى كتبهم وأنظامهم محذرين من الوقوع فيها مثل ما ألفه العلامة الشيخ أحمدو بن أحمذي والعلامة محمد مولود بن احمد فال والعلامة البشير بن امباريكى والعلامة ماء العينين ولد العتيق والعلامة امحمد ولد محمد المختار ولد امباله…. وغيرهم ، شأننا فى ذلك شأن كل الشعوب الإسلامية فى انحاء المعمورة بل شأن كل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولكن هذه الهفوات لا ينبغى ان تعمي و تصم المنصف العاقل عن الآلاف من الخصال الحميدة والمكرمات التليدة التى لا توجد فى مكان من أرض الله عزوجل – حسب علمنا – إلا فى هذه البلاد .

فإن يكن الفعل الذى ساء واحدا + فأفعاله اللائي سررن ألوف

ولا أريد أن أطيل في هذا المضمار الذي لا حدود له وحسبي التنبيه على بعض الملاحظات فى هذه الأسطر التى كتبها الأخ نصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين. وأنبهه أولا إلى ضرورة أن يقول ( إنا لله وإنا إليه راجعون) حتى لا يفوته الأجر إذ أنه سافر إلى بلاد شنقيط محبرة العلم والعلماء ولم يتعلم من نحو علمائها ما يصلح به لسانه ويده فالأخطاء النحوية تند عن الحصر في ما كتبه ، والبيتان اللذان ذكر أن السيوطي أنشدهما في أهل شنقيط كسر التفعيلة الأولى من عجز البيت الأول حيث كتب : (سعوا فى الضلال سعيا حثيثا )!! ومعلوم أن البيت من الخفيف لا يستقيم وزنه على الطريقة التى ذكرها الأخ بل الصحيح : (قد سعوا فى الضلال سعيا حثيثا ) ومن يكسر بيتا من الخفيف حري أن لا يكون قد جلس يوما واحدا فى المحاظر الموريتانية وواضح أنه لم يجالس فتيان الحسنيين واليعقوبيين والمجلسيين والعلويين والديمانيين ……

1- ذكر الأخ فى مستهل كلماته أن العالم يمشي فى ناحية وهذه البلاد تمشى فى ناحية أخرى وهذ ا صحيح إلى حد ما ، فأين من يحفظ اليوم متون اللغة العربية كالديوان الستى وديوان غيلان وحماسة أبى تمام إلا فى هذه البلاد ؟؟؟, وليقل المماحك إن هذا كذب فنحن مستعدون للمباهلة فنجعل لعنة الله على الكاذبين .. وأين من يحفظ متون الفقه والأصول والقواعد والنحو والصرف كما يحفظ أم الكتاب إلا فى هذه البلاد ؟؟؟؟ وأين طفل صغير لم يبلغ العاشرة من عمره يخط مصحفا بيده كما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وكما رسمه الصحابة رضوان الله عليهم وضبطه التابعون رحمهم الله إلا فى هذه البلا د؟؟؟ بل أين رجل كبير متبحر فى علوم القرآن يستطيع فعل ذلك إلا فى هذه البلاد ؟؟ وأين وأين وأين؟؟؟؟

واذا أراد الله نشر فضــــــــيلة + طويت أتاح لها لسان حــــسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت + ما كان يعرف طيب عرف العود

2- ذكرهذا الأخ أن الذى حمله على كتابة هذا المقال هو النصيحة لطلاب العلم وأقول لحضرته : هيهات، ما هكذا تكون النصيحة

أوردها سعد وسعد مشتمل + ما هكذا يا سعد تورد الإبل

بل إن من يقرأ هذه الكلمات يشتم منها رائحة التشهير والكراهية والحقد الدفين وتصفية حسابات مع بعض ساكنة هذا البلد ، ويتعلل بأنه لم يعين أحدا (والمعين مبتدع) ، أقول له أيضا : إ ن الأولى بك أن تعين واحدا بدل تعيينك شعبا كاملا بعلمائه وفقهائه و صلحائه……وإن كان الأخ لم يستطع أن يفي بشرطه من عدم التعيين فى نظره فقد عين الشيخ محمد الحسن ولد الددو حفظه الله ، ورماه بما لا يجوز أن يرمى به مسلم من عوام المسلمين فضلا عن علم من أعلم علماء الأمة الإسلامية. جاهلا أو متجاهلا كلام الإمام الحافظ أبي القاسم بن عساكر رحمه الله (اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب) وأنا متأكد أن الشيخ محمد الحسن ينزل منزلة الشيخ لهذا الأخ فلابد انه قد استمع إلى محاضرة من محاضراته أو درس من دروسه مادام أنه ينسب نفسه لطلبة العلم ، وعليه فيرد فيه قول ممو ولد عبد الحميد :

مستحقر استاذه فاسمع وع + لسانه يكل عند الفزع

ينسى علومه التى يعانـي + يفارق الدنيا بلا إيمان

3/ يقول الأخ انه ترك الماجستير..الخ ، فهل أمتنا الإسلامية الآن تفتقر إلى حملة الماجستير بل والدكتوراه في الشريعة الإسلامية بكل تخصصاتها ، انظر إلى حملة الدكتوراه في الشريعة وفي اللغة على شاشات القنوات التلفزيونية ينصبون الفاعل ويرفعون المفعول به ويخلطون بين المدعي والمدعى عليه وبين الراجح والمرجوح ، وأعرف اخوة خيرين من حملة الدكتوراه سافروا إلى هذه البلاد لينهلوا من معين علومها الصافي بعيدا عن مذكرات تدرس لأجل يوم الامتحان فقط ، فإذا ما انقضى الامتحان وتأكد الواحد منهم أنه تجاوز تيمم بها التنور ، ان لم يرم بها في المزابل والقمامات، وهل تغني عنك الماجستير في العمل والزواج شيئا ان تقدم بين يدي نجواك فيتامين (و) واسطة؟؟ ورحم الله الإمام العالم محمد الأمين الشنقيطي الذي أثر عنه أنه أيام تدريسه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سأله أحد الطلبة أثناء الدرس عن تعريف شهادة الزور، فقال : (هذه التي تأخذونها من الجامعة ) وبعد مقدمه إلى بلاد الحجاز واستقراره بها سئل عن شهاداته التي يحمل ، فقال : عندي شهادتان فقط : (شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ) وهو من هو رحمه الله تعالى .

4/ يبدو ان الأخ قد قعد قاعدة لم يسبقه القرافي ولا الونشريسي اليها مفادها ان تقييم أي بلد لا يؤخذ من أهلها ، فأقول : ان كان ذلك في مجال التنمية وفي الاقتصاد فلا أدري ، وان كان في المجال العلمي والثقافي فالحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وأهل مكة أدرى بشعابها ، وأنا أرى أن تقدم شهادتنا – معاشر الشناقطة – على شهادة غيرنا ممن لم يعرف عن هذه البلاد شيئا ولم يصبر نفسه على الاكتواء بقيظها وزمهريرها ، ولم يقف يوما على السواني في السدس الأخير من الليل خدمة لمشايخها الذين يستأهلون بذل المهج والدماء في سبيل الاستفادة من علومهم ومعارفهم المتنوعة . وان كنت لا توافق معي على هذا الكلام ، ألا يوجد من علماء شنقيط عدل مبرز تقبل شهادته لها ، كما قال ابن عاصم في تحفته :

ولأخيه يشهد المبرز الخ ……………

5/ ذكر الأخ أن الأفارقة العجم لا يحسنون العربية الا ما ندر ، وأن الواحد منهم يعكف طيلة يومه وليلته على حفظ ابيات لايدرك مراميها ولا يعرف معانيها …الخ

فأين أنت – أخي – من أولئك الأفارقة الذين تخرجوا من هذه المحاظر وقد عجز البلغاء والأدباء من أقحاح العرب عن مقارعتهم فى الشعر والأدب واللغة , بل وفى كل الفنون أمثال : الحاج عمر الفوتى و أبناء فودية و أبناء أعمر دوكره والشيخ احمدو بمبه و الشيخ إبراهيم إنياس………الخ.

6/ ذكر الأخ الطلبة العرب الموجودين فى موريتانيا وقال انهم يضيعون أعمارهم وصحتهم ونقودهم ووو……..الخ, أقول : ذلك شأن يرجع الى الطلبة انفسهم , وكل أدرى بما يصلح له , وليت شعرى هل هؤلاء جميعا فى سفاهة وكاتب الكلمات هو الرشيد الحاذق الكيس !! وليعلم الجميع ان موريتانيا ستظل – بحول الله وقوته – منهلا للطلبة من عرب وعجم تأوى إليها افئدتهم من كل صوب وحدب ، وسيظل مشايخنا يبذلون علومهم ونوالهم لألئك الوافدين ابتغاء وجه الله تعالى لا يرجون بذلك مالا ولا منصبا ولا حظوة عند فلان أوعلان , ولسان حالهم ينشد ما انشده السيوطي رحمه الله فى خاتمة كتابه الإتقان في علوم القران :

ادأب على جمع الفضائل جاهدا + وأدم لها تعب القريحة والجسد

واقصد بها وجه الإله ونفع من + بلغته ممن جد فيها واجتـــــهد

واترك كلام الحاسدين وبغيهم + هملا فبعد الموت ينقطع الحسد

وإن جاء الطلبة الوافدون فمرحبا بهم غير خزايا ولا ندامى بين ظهراني إخوانهم , ومن فاته المجيء فحسبه انا نفوته .

7/ ذكر الأخ كلام ابن بطوطة رحمه الله عن أهل (ايولاتن) وقال ويعنى ولاتن الآن …..)وليكن فى كريم علمك أخي أنه لا توجد الآن مدينة فى شنقيط بهذا الإسم الذي ذكرت ، مما يعنى أنك لم تكلف نفسك عناء تحقيق اسم مدينة من أعرق مدن الدنيا في العلم والمعرفة ونشرهما في غرب افريقيا (ولاته) وسفراؤها الذين ابتعثتهم إلى العالم يشهدون بذلك أمثال : محمد يحيى الولاتى ومحمد يحى ولد سليمة اليونسى والطالب محمد بن أبى بكر الصديق البرتلى صاحب فتح الشكور وسيدى أحمد بن أبى كف ومحمد ابن أبى بكر بن الهاشم السيداوى صاحب النوازل وسيدى عثمان بن عمر الرحمونى صاحب معين التلاميذ ……الخ , بل روينا من طريق ليس فيها ( مصحف ) بكسرالحاء وتشديدها أن المسجد الجامع لولاته كان أغلب من يصلي فى الصف الأمامى منه حفظة الموطأ ومدونة سحنون بن سعيد التنوخى وكان إلى عهد قريب يختم فيه صحيح البخارى وشفاء القاضى عياض أيام شهر رمضان المبارك …(صدق أولا تصدق ) وكلام ابن بطوطة رحمه الله – مع تحفظ كثير من العلماء على نقوله فى رحلته – أيام كانت ولاته مأهولة بالزنوج من بقايا مملكة غانا وهم السكان الأصليون لتلك المدينة يعرف ذلك من له أدنى معرفة بتاريخ البلد ، وتاريخهم ونقوشهم ومقابرهم شاهدة على ذلك (ولا ينبئك مثل خبير). أما كلام الأخ عن السيوطي وما ذكر من استغاثة محمد بن علي اللمتونى به في رسالته إليه يطلب منه المجىء إلى هذه البلاد لعقد مجالس التدريس والتحديث.. فهذا محض كذب وافتراء وتلفيق بين الحكايات والمسطور، فالرسالة التى وجهها محمد بن علي اللمتوني ( وليس اللمتوي كما كتبت في كلمات الأخ ) إلى الإمام الحافظ السيوطي موجودة في كتاب الأخير (( الحاوي للفتاوي))وليس فيها دعوة للسيوطي إلى شنقيط أو بلاد التكرور على الأصح ولم يثبت أن السيوطي وطئت قدماه هذه البلاد أصلا .والمكاتبات التي جرت بينه وبين محمد بن على اللمتوني يتضح أن كلا منهما يقدر الآخر ويعترف له بالعلم ، وكل منهما يلمتس من الآخر صالح دعواته.

8/ ذكر الأخ أن أهل شنقيط ليس لهم نتاج ولا نشاط يذكر على مستوى الأمة ,ويتساءل عن مؤلفاتهم وشروحهم !!!!!وذكرنى بكلامه كلام أخ فاضل من علماء الأزهر الشريف كنت لقيته الشهر الماضي فعزم علي بالحضور إلى حفل افتتاح جامع كبير من جوامع مصر, فلما أخذ الكلام جعل يعرف الحاضرين على بلاد شنقيط ومآثرها وتراثها وعلمائها وقال (إن شنقيط البلد الإسلامي الوحيد الذي لم ينل حظه من الإعلام) وصدق والله ، فلو أن مؤلفات علماء شنقيط طبعت ونشرت وتم تداولها عبر وسائل الإعلام لملأت الدنيا وشغلت الناس عن غيرها من الكتب المبثوثة في الأسواق والتي لا يساوي الكثير منها مؤنة طباعته فضلا عن حبكه وتغليفه ، ومع ذلك فأين أنت يا أخى من مؤلفات محمد يحي بن سليمه اليونسي التى تزيد على 250مؤلفا ما بين شرح ونظم واختصار وتلخيص ، وأين أنت من مؤلفات الشيخ ماء العينين التى تربو على 400 كتاب ، وكتب محمد يحي الولاتى التى يصل تعدادها إلى 110 كتب ، وكتب محمد مولود ولد احمد فال التى هي بعدد أعوام عمره ….الخ

-9/ ذكر الأخ أن الدراسة فى المحاظر الشنقيطية لا تتعدى متونا معينة بلا شروح ولا حواش وسبحان الله!!!! أين أنت أيها الأخ الكريم من جامع ابن بونا على الألفية الذى سماه ( الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة) والذي أتى فيه بما في تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك مما لم يأت به في خلاصته. أبعد هذا تحتاج إلى قطر الندى وشذور الذهب وشرح ابن عقيل ….؟؟ ف(كل الصيد في جوف الفرا )وأين أنت من شرح الكافية الشافية لعبد الله بن الحاج حمى الله وشروح الخلاصة التي تند عن الحصر ، أما مغنى اللبيب لابن هشام الذي ذكرته فقد حذقه الكثير من علماء هذه البلاد ونظموه وممن نظمه :محمد يحى الولاتي وعبد الله بن الحاج حمى الله ومحمد يحيى ولد سليمه ..الخ وأين أنت من شروح الستى وشروح ديوان غيلان لعبد الله العتيق ذي الخلال ومحمد السالم ولد الشين ومحمذن بن سيد أحمد المالكي ….وغيرهم .وفى مجال الفقه أين أنت من ميسر الجليل على مختصر خليل لمنحض باب ولد اعبيد والحق المبين لمحمد محمود بن الواثق المالكي ونصيحة المرابط بن أحمد زيدان ومغني قراء المختصر للمرابط أحمد بن محمد عينين وفردوس المرابط اباه بن محمد الأمين اللمتونيين ،ونظم السعادة الصغرى والوسطى والكبرى في الفقه المقارن لمحمد يحيى ولد سليمة وشمس الاتفاق -وشرحه دليل الرفاق – الذي عقد به الشيخ ماء العينين اتفاقات ابن رشد الحفيد ،والتسهيل والتكميل للعلامة محمد سالم بن عدود ونظم عمدة الموفق ابن قدامة له كذلك …..وفي مجال أصول الفقه أين أنت يا أخي من نظم بلوغ المأمول من سلم الأصول الذي عقد به الشيخ المختار بن بونا جمع الجوامع لابن السبكي وسلم الوصول لمحنض باب بن عبيد وكتب الشيخ محمد المامي في أصول الفقه وقواعده ونظم تنقيح فصول القرافي (الشموس الطالعة) للعلامة مولود بن أحمد الجواد وشرحه على الكوكب الساطع وشرح حفيده الشيخ محمد الحسن بن أحمدو الخديم حفظه الله ، ومختصر الموافقات لمحمد يحيى الولاتي، ونظمها وشرحها للشيخ ماء العينين , أما ذكرك لكتب كالمنهاج وكتب إمام الحرمين وتمليذه الإمام الغزالي ..الخ فهذه الكتب ألفت على اصول فقه مذهب الإمام الشافعى , وأهل هذه البلاد يدينون الله على مذهب الإمام مالك شيخ الإمام الشافعي وأستاذه ,وغنى عن البيان أن سيد عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي أخذ من أغلبها وطالعها أثناء نظمه لمراقي السعود حيث قال فى خاتمته:

أنهيت ما جمَّعه اجتهادي

وضربي الأغوار مع الأنجاد

مما أفادنيه درسُ البرره

مما انطوت عليه كتْب المهره

كالشرح للتنقيح والتنقيح

والجمع والآيات والتلويح

مطالعا لابن حُلُولُ اللامعا

مع حواشٍ تعجب المطالعا

وفى مجال البلاغة التي ذكر الأخ أن علماء شنقيط لا يعرفون طريقا إلى التلخيص ولا كتب الجرجانى ..أين أنت أيها البلاغي من نظم (نور الأقاح) الذى عقد به سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم التلخيص وشرحه (فيض الفتاح )وأين أنت من تبصرة الأذهان للمختار بن بونا التي يقول فيها :

أرجوزة محكمة الربوط + فائقــة ألفية السيوطى

سميتها تبصرة الأذهان + فى نكت البيان والمعانى

ولا أغفل ألفية السيوطي (عقود الجمان ) التى تدرس فى محاظر القطر الشنقيطي على نطاق واسع ، وتعاورتها أقلام الشناقطة بالشروح والحواشي. وكذلك نظم الجوهر المكنون للأخضري الذي أشبعه علماؤنا هو الآخر شرحا وتعليقا , واذكر تآليف محمد يحي بن سليمه في هذا المجال , وعبد الله بن الحاج حمى الله الذى قال فى مقدمة نطمه للرسالة :

ولم أكن جذيل هذا الفن + وما علي لومه لأني

شغلت بالنحو وبالبيان + وإن هذان لساحران

وذكرت أننا في العقائد لا نعرف إلا الإضاءة , فإن كنت تقصد عدم التعمق فى هذا المجال فاذكر نظم المختار بن بونا المسمى( وسيلة السعادة) وهو نظم عقد به الصغرى والوسطى والكبرى للسنوسي حيث يقول فيه:

نظما حوى عقائد الشريف + محمد السنــــــــــــــوسي الظريف

لخصت فيه ما حوته الصغرى + مع ضمن وسطاها وضمن الكبرى

وكذلك نظم الواضح المبين للعلامة عبد القادر بن محمد سالم , وإن كنت تغمز عقائد الأشعري فقد نظم الكثير من علمائنا أنظاما وألفوا تآليف على طريقة العقيدة السلفية أمثال : الشيخ سيدي باب ومحمد ابن أبى مدين والشيخ بداه والشيخ محمد سالم ولد عدود والشيخ أحمدو ولد المرابط ولد حبيب الرحمن ….وغيرهم. وفى مجال علم الحديث أين أنت من الأنظام والمؤلفات الكثيرة التي أعجز عن حصرها في علوم الحديث وشروح ألفيتي العراقي والسيوطي الكثيرة ونظم الشيخ أحمدو ولد المرابط المسمى (منثور الدرر) وشروح الموطأ لمحمد يحي بن محمد المختار ومحمد يحيى بن سليمه الولاتيين ، وقد نظمه الأخير وشرح نظمه له ، وشروح البخاري كالشرح المسمى النهر الجاري للعلامة محمد ولد محمد سالم المجلسي وشرح البخارى لمحمد يحي الولاتي وشرح لعبد الله بن الحاج حمى الله……الخ وفى مجال تفسير القرآن أين أنت من الذهب الإبريز وأضواء البيان ومراقي الأواه والريان والمؤلفات الكثيرة في علومه كنظم زين ولد اجمد لكتاب إملاء ما من به الرحمن للعكبري ونظمه للقراءات السبع وقد اختصر العلامة محمد عبد الله بن الصديق رحمه الله كتاب العكبري فى كتاب سماه (المقتطف)……الخ ، وفى مجال القواعد يبدو أنك لم تسمع عن نظم الشيخ محمد المامي الذى أسماه (الصداق ) يقع فى 1452بيتا وهو أشمل كتاب فى هذا الفن فقد نظم فيه ايضاح المسالك للونشريسي ومزجه بما ألفه المقري والزقاق وميارة, وكتاب المجاز الواضح وشرحه لمحمد يحي الولاتي هذا إضافة إلى شروح المنهج والتكميل الكثيرة جدا….

10/ وذكر الأخ أن أهل شنقيط لا إلمام لهم بالنوازل والقضايا المعاصرة ففي مجال النوازل يبدو أن الأخ لم يقتن موسوعة الدكتور يحيى بن البراء ( المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى ونوازل وأحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء ) التي تقع في 12 مجلدا ، وقد ضمت هذه الموسوعة 6620 فتوى ، محطمة بذلك رقما قياسيا في الغرب الإسلامي ، ويبدو أنك لم تسمع عن مجموع امبويه الولاتي المتوفى سنة 1277 هـ ، ولم تسمع عن نوازل القصري والشريف حمى الله التيشيتي ومحمد بن الهاشم السيداوي وابن الأعمش العلوى وابن آغبدى الزيدى وحبيب الله الكنتى وابنى الفاضل التيشيتيين ….الخ وفي مجال القضايا المعاصرة هناك مئات من الفتاوى والدراسات في هذا المجال وإن أضفنا إليها رسائل الماجستير والدكتوراه التى يبدو أن الأخ منبهر بها فستطول القائمة .

11/ وفى طريقة التدريس فى المحاظر يعيب الأخ الكاتب طريقة التدريس ويقول إن الطالب يستغرق حدود دقيقتين أو خمس دقائق فقط…..الخ كلامه. أقول له: لئن كان ربنا عز وجل لم يجعل فى أرضنا البترول والمعادن النفيسة أو جعلها ولم نكتشفها أو لم نستغل المكتشف منها بعد فقد أكرمنا بصفاء قرائح وسرعة في الحفظ والفهم (والعلم فازت به الحفاظ )حرم منها الكثيرون وهذا تقسيم ربك (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) وقد قال عالمنا محمذ فال ولد متالي :

وقسمة الحظوظ فيها يدخل + فهم المسائل التى تنــــــعقل

وهذا الأخ يريد من أبناء الشناقطة أن يكونوا مثل من ابتلوا بصعوبة الحفظ والفهم أو انعدامهما , فالطالب الذكى لا يكلف شيخه كبير عناء بعد فك رموز المتن المدروس (اللبيب تكفيه الإشارة) .

12/ ذكر الأخ أن المشايخ في محاظرنا لا يجيدون الخطب والدروس ..الخ ، فأقول : صحيح أن بعض شيوخ المحاظر لا يجيد الانطلاق والانبعاق في الكلام أثناء الخطب والدروس لعدم المراس والدربة على ذلك ، وهو من آثار الحياة البدوية التي غلبت على هذه البلاد إلى وقت قريب ، لأن أهل البادية يقيمون يوما ويظعنون آخر وليسوا مطالبين بالجمعة ، ومع ذلك فمن أراد من مشايخنا أن يتمرس على ذلك فلن يكلفه أي جهد ، والنماذج شاهدة ، من أمثال : محمد الأمين الشنقيطي صاحب الأضواء والعلامة محمد يحيى ولد الشيخ الحسين والعلامة محمد بن أبي مدين والعلامة محمد سالم ولد عدود والعلامة عبد الله بن بيه ….الخ ، وقد بدأت هذه الملاحظة في طريقها إلى الزوال بعد تأسيس المحاظر النموذجية كالتي أسسها الشيخ محمد فاضل بن محمد الأمين حفظه الله وكمركز تكوين العلماء الذي يبدو أن الأخ لم يستطع صبرا على الانسجام مع برامجه ومراحله المنهجية . وهل أنتج الانطلاق والانبعاق في الكلام والخطب في كثير من الأقطار إلا اللحن الفاضح الذي لا يكاد يسلم منه الا نسبة تقل عن نسبة من ينجو من النار عندما يأمر الله آدم عليه السلام أن يخرج من ذريته بعثا إلى النار ؟؟؟ .

13/ سخر الأخ من أمور كثيرة في هذا البلد حتى لو كانت توافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده رضوان الله عليهم كسخريته من قصر الخطبة في جوامعنا ، ومعلوم أن خطبه صلى الله عليه وسلم التي روي لنا بعضها في الصحاح والسنن والمعاجم يستطيع العاد أن يحصي كلماتها بدون عناء ، وكذلك الحال في خطب الصحابة ، وخذ على سبيل المثال خطبة صحابي جليل من السابقين الأولين هو عتبة بن غزوان بعد ما ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما على البصرة ، وقد أخرجها مسلم في صحيحه من حديث خالد بن عمير العدوي.

14/ ذكر الأخ أن الطلبة الأجانب يشكون مشكلة ضعف الإيمان لما سكنوا بلاد شنقيط … ولا يخفى عليك أخي إذا كنت تدين الله بمعتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص (يضعف ) بالمعصية ، فمن أحس بضعف في إيمانه فهذا شيء يرجع إليه شخصيا (كل امرئ بما كسب رهين ) يستوجب منه أن يراجع حساباته تجاه ربه عز وجل فيتوب إليه بالإقلاع عن المحرمات والتقرب إليه بالطاعات لا أن يلوم الآخرين بما كسبت يده ، ولو أن هذا الشاكي سأل عن وصفة مناسبة لدائه وهو في المحظرة لأشكاه العلماء العاملون بما يعينه على التخلص من مشكلته بعد توفيق الله له :

دواء قلبك خمس عند قسوته + فدم عليها تفز بالنجح والظفر

إخلاء بطن وقرآن تدبره + كذا تضرع باك آخر السحر

كذا قيامك جنح الليل أوسطه + وأن تجالس أهل العلم والفكر

ومما يعين طالب العلم على ذلك دراسة كتب الرقائق والسلوك كنظمي العلامة محمد مولود : مطهرة القلوب من قترة العيوب ، ومحارم اللسان والسمع والبصر .وكذلك فتح الحق للعلامة محمذن فال ولد متالي وخاتمة محمد اليدالي أو نظمها للمرابط اباه ابن محمد الأمين اللمتوني ….

15/ ذكر أن المشايخ في بلادنا لا أسانيد لديهم فيما يدرسون من متون ………

وهذا بعيد كل البعد من الصحة فأسانيد القراآت معروفة مشهورة عندنا ، لكن لا ينالها إلا من صبر وتأنى حتى يتقن الرسم العثماني ويسمع شيخه القرآن كاملا بالرواية أو بالقراءة التي يريد الإجازة فيها ، وكذلك الحال في أسانيد الحديث فهي موجودة في موريتانيا من غربها إلى شرقها ، وقل نفس الشيء عن أسانيد غير الوحيين ، فأسانيد الفقه والنحو واللغة معلومة عند أهل البلاد ، فعلى سبيل المثال لا الحصر في الفقه اشتهر في مدينة ولاتة سند الفقيه الكصري بن محمد المختار الإدليبي صاحب النوازل عن الطالب البشير بن الحاج الهادي عن أبي بكر بن الحاج عيسى عن عثمان بن المجاور عن محمد بن أبي بكر بن الهاشم السيداويين عن ابن الأعمش العلوي عن أحمد الولي المحجوبي الولاتي وأحمد بن أحمد بن الحاج العلوي الشنقيطي عن أحمد أيد القاسم الحاجي الوداني عن أحمد الفزازي الحاجي عن أبي العباس أحمد المسك الماسني التنبكتي عن إمام المالكية في عصره محمد الحطاب صاحب مواهب الجليل ، وفي الشمال الغربي اشتهر سند فقه أسرة أهل محمد سالم المجلسيين الذي يتصل بالإمام علي الأجهوري ، وما ذكرته في الفقه واقع في اللغة وعلومها كسند المختار بن بونا المتصل بالإمام الأشموني ، وفي ذلك يقول ممو بن عبد الحميد في نظمه لسيرة شيخه يحظيه بن عبد الودود :

وشيخنا في فقهه المأثور + متصل السند بالأجهوري

كما أتى في فقهه المصون + متصل السند بالأشموني

أبعد كل هذا يقول الأخ – وكأنه أحاط بكل المشايخ في شنقيط وبما لديهم – لا أسانيد للشناقطة فيما يدرسون من علوم ؟؟

وإذا لم تر الهلال فسلم + لأناس رأوه بالأبصار

أقول : هذه بعض النقاط التي رأيت أنها تستحق تصحيح الأغلاط والمغالطات التي جاءت على يد هذا الأخ المختفي خلف سرداب الطعن في العلماء والنيل من أعراضهم

كناطح صخرة يوما ليوهنها + فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

وأعرف أن له أمثالا كثر – هدانا الله وإياهم – لا هم في هذه الحياة إلا تتبع العثرات وزاد عليهم هذا الأخ بالنظر إلى العورات ، وقديما قال أبو الطيب المتنبي :

وإذا أتتك مذمتي من ناقص + فهي الشهادة لي بأني كامل

وأما ما بقي من كلام الأخ في أعراض الشناقطة ورميهم بما حرم الله عز وجل رمي مسلم به بدون البينات المعتبرة شرعا بأسلوب سوقي ساقط فأرد عليه بما أمرني ربي أن أقابل به خطاب الجاهلين ، فأقول : سلاما .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى