الأخبار

“فاغنر” في مالي.. بؤرة صراع جديدة بين روسيا والغرب

 

توشك مالي أن تتحول إلى بؤرة جديدة للمواجهة بين الدب الروسي والدول الغربية، على غرار ما يجري في عدة مناطق ساخنة من العالم مثل أوكرانيا وسوريا وليبيا.

فلجوء المجلس العسكري في مالي للاستعانة بنحو 400 عنصر من مرتزقة شركة فاغنر الروسية، بحسب إعلام أوروبي، يثير غضب فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أيضا، حتى وإن نفت الحكومة المالية ذلك.

والتلويح بورقة سحب القوات الفرنسية من مالي إلى جانب القوات الخاصة الأوروبية العاملة ضمن عملية “تاكوبا”، وحتى الجنود الأوروبيين ضمن البعثة الأممية “مينوسما”، قد تكون تكلفته كبيرة.

فوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ومفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أوضحا، الجمعة، أن القوات الفرنسية والأوروبية المتواجدة في مالي، تريد البقاء “لكن ليس تحت أي ظروف”.

غير أنه وبحسب صحيفة “لوموند”، فإنه “لم يتم اتخاذ قرار بشأن أي انسحاب محتمل. ويفضل الفرنسيون، مع شركائهم الأوروبيين، خيار الحفاظ على التزامهم، كما كرر لودريان ذلك الجمعة الماضية”.

فالروس ينتظرون على الأبواب لملء أي فراغ تتركه فرنسا خلفها، والأخيرة لا تريد تقديم مالي على صينية من ذهب لموسكو مثلما فعلت في جمهورية إفريقيا الوسطى.

ففي الوقت الذي قلص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عناصر عملية برخان البالغ عددهم 5100 إلى النصف، وشرع في الانسحاب من مدن كيدال وتيساليت وتومبكتو، في شمال مالي، يبدو أن الانقلابيين في باماكو عقدوا صفقتهم مع فاغنر، لتعويض ما اعتبروه تخلي باريس عنهم في ذروة معركتهم مع الجماعات الإرهابية.

وحتى بعد إصرار الحكومة المالية على نفي أي تواجد لمرتزقة فاغنر على أراضيها، إلا أن هناك عدة قرائن تؤكد عكس ذلك.

ويوضح الصحفي المالي المتخصص في شؤون الساحل، “صديق آبّا”، في تصريح لإذاعة فرنسا الدولية، سبب إصرار باماكو على عدم الإقرار باتفاقها مع فاغنر، والمتمثل في رغبتها بأن لا تقتصر شراكتها العسكرية مع روسيا بل تريد أن تنفتح على شركاء آخرين، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يمول الجزء الأكبر من عمليات تدريب الجيش المالي.

بينما تحاول باريس الخروج من المستنقع المالي دون التخلي عن نفوذها في هذا البلد الحبيس جغرافيا، من خلال الضغط على المجلس العسكري المالي، الذي يناصبها العداء، عبر حلفائها الأفارقة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وعبر حلفائها الأوروبيين أيضا، خاصة وأنها الرئيسة الدورية للاتحاد الأوروبي.

وانضمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الكتلتين الإفريقية والأوروبية، وانتقدت في اجتماع مجلس الأمن الدولي تواجد فاغنر في مالي، خلال مناقشة مشروع قرار تقدمت به فرنسا لدعم العقوبات القاسية التي فرضتها إيكواس على مالي.

حيث تمكنت باريس من حشد أكبر قدر من الدول الحليفة للضغط على الانقلابيين في مالي، حتى لا تظهر منفردة في مواجهة الأزمة بمالي، وهذا ما عبر عنه لودريان، قائلا: “الوضع في مالي والساحل هو شأن إفريقي وأوروبي، ولم يعد شأنًا فرنسيًا – ماليًا”.

إلا أن الانقلابيين في مالي، استعدوا لهذه المواجهة عبر اللجوء إلى روسيا، حتى لا يكونوا منفردين أمام فرنسا وحلفائها.

حيث أفشلت روسيا بدعم من الصين صدور قرار من مجلس الأمن ضد الانقلابيين في مالي، الذين يريدون إطالة المرحلة الانتقالية لخمس سنوات قادمة، بدل إجرائها في أقرب وقت ممكن، كما تطالب فرنسا ومعها الكتلتين الإفريقية والأوروبية بالإضافة إلى واشنطن.

وليس هذا فقط، بل استثمر المجلس العسكري في مالي عقوبات إيكواس القاسية لحشد دعم شعبي له، وتأليب الرأي العام المحلي ضد فرنسا، باعتبارها من يقف وراء هذه “المؤامرات الدولية” التي تحاك ضد بلادهم.

وتجلى هذا الدعم الشعبي للانقلابيين في المظاهرات الحاشدة التي شهدتها باماكو، المنددة بعقوبات إيكواس على بلادهم، والمنتقدة للموقف الفرنسي، كما تم رفع العلم الروسي خلال المظاهرات، ما يعكس تغيرا في المزاج العام للشعب المالي، الذي رحب بالتدخل العسكري الفرنسي في 2013، لكنه اليوم يدعو فرنسا للرحيل عن بلادهم.

فالدعم الروسي للانقلابيين ومن خلفه الصين، والحياد الجزائري والموريتاني وأيضا الغيني، من شأنه أن يدفع الانقلابيين في مالي إلى التصلب أكثر في مواقفهم خاصة تلك المتعلقة بإطالة عمر المرحلة الانتقالية.

وتعتقد باريس أن زعيم الانقلابيين عاصيمي غويتا، لجأ إلى فاغنر لحماية النظام وليس لمحاربة الإرهابيين، ما يدفعها للتشدد هي الأخرى بشأن دعوتها للإسراع في تنظيم الانتخابات لإزاحة الانقلابيين من طريقها، وإبعاد لاعب كبير مثل روسيا من إحدى الدول الخاضعة لنفوذها.

وإحدى النقاط التي تثير قلق الأوروبيين من تواجد فاغنر في مالي وقوع اشتباكات بينها وبين قوات تاكوبا، التي تضم قوات أوروبية معظمها من فرنسا.

غير أن موقع “أوروبا1″، كشف أن المقر الرئيسي لمرتزقة فاغنر، يقع في القاعدة 101 للجيش المالي شمال مطار باماكو، وأن عددهم يتراوح ما بين 300 و400 عنصر، وصلوا منذ أسابيع إلى مطار باماكو، “وهبطوا في نهاية المدرج، دون المرور بالفحوصات المعتادة، ومن ثم صعوبة التعرف عليهم بدقة”.

إذ أنه من الصعب على باماكو إخفاء مئات المسلحين من فاغنر، دون علم الفرنسيين والأوروبيين وحتى الأمريكيين المتواجدين بكثافة في مالي.

ولتفادي وقوع صدام بين القوى المتصارعة والتي يفترض أنها تواجه عدوا مشتركا، يقول موقع “أوروبا1″، نقلا عن “ضابط رفيع المستوى” لم تحدد جنسيته، فإن الماليين يتجنبون في الوقت الحالي نقل الروس إلى المناطق التي يطارد فيها الجيش الفرنسي الإرهابيين.

وكشف هذا المصدر أن عناصر فاغنر ينتشرون في تومبوكتو، التي غادرتها القوات الفرنسية منذ أقل من شهر.

ليس هذا فقط، بل يتحدث الموقع عن مقتل مرتزق من فاغنر وإصابة اثنين آخرين في انفجار لغم بالقرب من بلدة باندياجارا، في منطقة موبتي (وسط).

وهذه المعطيات تكشف أن فاغنر تنتشر في باماكو بالجنوب، وفي موبتي بالوسط وتومبكتو في الشمال، والأمر تم خلال بضعة أسابيع.

وقبل أشهر تحدثت وسائل إعلام غربية أن فاغنر طلبت 10 ملايين شهريا وامتيازات لاستغلال مناجم في مالي مقابل إرسال نحو 1000 مرتزق، الأمر الذي نفته باماكو في حينه.

وتؤكد هذه الأخبار أن روسيا أصبحت متواجدة على الأرض في مالي، ولاعبا جديدا في منطقة الساحل، لكن فرنسا قد تترك لها مجالا للغرق في رمال الساحل الإفريقي المتحركة مثلما عانت منه خلال التسع سنوات الماضية.

وتدخل عدة دول كبرى في الملف المالي ينحرف بالصراع عن طبيعته، فبعدما كان التركيز على الخطر الوجودي الذي تمثله الجماعات المسلحة على الدولة، أصبح تواجد فاغنر في البلاد، أساس النزاع حاليا على النفوذ بين القوى الكبرى.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى