ثقافة

معرض بتونس عن عظمة فن الخط الإسلامي

يتفحص الخطاط الفرنسي جاك لومبار بنظرات متمعنة المخطوطات الإسلامية المعلقة على جدران النادي الثقافي “الطاهر الحداد” بالمدينة العتيقة في تونس، حيث يقام معرض نظمته جامعة ليدن الهولندية حول فن الخط الإسلامي احتفاء بمرور مئة عام على تدشين قسم الدراسات العربية الإسلامية بها.
لا تبدو ملامح جاك مختلفة عن الزوار التونسيين الذين يتجولون بالمكان الجميل الذي كان بداية القرن الـ18 اصطبلا لقصر حمودة باشا لصرم أحد أعيان المدينة. ورغم أن تقاسيم وجهه ولباسه التقليدي المتوج بالبرنوص التونسي لا تكشف هويته، يظهر عشقه للفن العربي الإسلامي كأنه راهب بمعبد للتاريخ.
هنا في قلب المدينة العتيقة التي تعتبر أيقونة الفن المعماري الإسلامي بتونس ومجمعا لأشهر وأقدم المساجد، أضاع لومبار الطريق المؤدية للمعرض وهو يشق ثنايا الأزقة الضيقة المميزة بأبوابها القديمة المزخرفة حتى عثر على معرض المخطوطات الإسلامية التي تجمع سلسلة فريدة من الخط الإسلامي.

زخارف رائعة
يقول هذا الخطاط للجزيرة نت إنه جاء خصيصا لزيارة هذا المعرض من أجل “التأمل والاستمتاع” بإبداعات التراث العربي الإسلامي من المخطوطات والزخارف المعروضة التي توزعت على قرابة أربعين لوحة من مخطوطات جمعتها جامعة ليدن الهولندية عبر فترات زمنية طويلة من دول إسلامية متنوعة.
يضم المعرض الذي يستمر حتى نهاية الشهر الجاري مخطوطات عربية وعثمانية وفارسية تمتد من القرن السابع إلى القرن الـ18، وتتوزع بين مخطوطات قرآنية ومخطوطات حول مكة والمدينة المنورة ومخطوطات حول الكتب العلمية والأدبية ونقوشات وزخارف تعكس مدى تطور فن المعمار الإسلامي.
ويقول صحفي تونسي ينشط المعرض إن احتضان تونس هذه التظاهرة بعد الأردن ومصر والمغرب “مهم جدا” للتعريف بالمخطوطات الإسلامية التي يعود تاريخها إلى قرون، وأوضح حاتم بوريال أن تلك المخطوطات المختارة من أربع آلاف مخطوطة على ذمة جامعة ليدن “تبرز قيمة الحضارة الإسلامية”.
ووفق جامعة ليدن فإن ثراء مكتبتها بمخطوطات يعود بعضها إلى الدول العباسية والأموية والمملوكية والعثمانية والصفوية يرجع للعلاقات الدبلوماسية بين هولندا وبعض دول المشرق فضلا عن مخطوطات جمعها الباحث في اللغات الشرقية ليفينوس وارنر الذي أقام في إسطنبول عام 1645.
ويواصل الخطاط الفرنسي لومبار جولته بأرجاء المعرض الذي قال عنه بلهجته الباريسية الناعمة إنه “يمثل ثروة حقيقية تعبر عن موروث التاريخ العربي الإسلامي” مؤكدا أن مميزات فن الخط الإسلامي الذي أضفى عليه القرآن الكريم رداء قداسته “تشكل استثناء في تاريخ الإنسانية لما لها من قدرة جمالية وتعبيرية”.
وتظهر في معرض الخط الإسلامي بتونس مخطوطات مزينة انتشرت ببعض البلدان الشرق الأوسطية يعود بعضها للقرن الـ16، وتتمثل في تزيين الصفحتين الافتتاحيتين من نسخة القرآن بالألوان المعتادة فوق خلفية ذهبية تعكس تفنن الخطاطين في الجمع بين الشكل الجمالي والمضمون بالوقت ذاته.

ثراء تاريخي
وتعلُم لومبار فن الخط عن الخطاط العراقي والعالمي حسن المسعودي، واكتشف بعض أسرار ومعاني فن الخط العربي الإسلامي، فهو يرى أن “الفنان المسلم لم يقف عند حدود الحرف وتحسينه وإبداعه بل قطع شوطا آخر بجعله الحرف مادة جمالية بحد ذاتها، فتحول الخط المكتوب للوحات زخرفية معبرة”.
ولا أدل على ثراء الخط العربي الإسلامي –وفق قوله- سوى تعدد الخطوط وتنوعها مثل الخط الكوفي والديواني والأندلسي، وهي خطوط كانت حاضرة بقوة بهذا المعرض الذي لو فتح الباب على عمق هذا الإبداع المخطوط لكان قادرا على إحياء الذاكرة بتطور العلوم والأدب بالحضارة الإسلامية.
وجمع المعرض مخطوطات رائعة لواجهات كتب علمية قديمة مثل الترجمة العربية لـ”كتاب الحشائش” للطبيب الإغريقي ديسقوريدوس، ومخطوطات من كتب العالم الإسلامي بالجغرافيا الأصطخري (القرن الـ 11) وكتاب “الفروسية والبيطرة” للخطلي (القرن الـ 12) وكتاب “معرفة الحيل الهندسية” للجزري (القرن الـ 16).
حول هذا التاريخ العربي الإسلامي، يقول لومبار إن تطور فن الخط والعلوم والآداب والعمران لدى المسلمين عبر الزمن يعطي رسالة واضحة للغرب أن “جوهر الإسلام والمسلمين يقوم على المعرفة والإبداع والتسامح” موضحا أن شغفه بهذا التاريخ يعود إلى أهمية مخزونه الثقافي والإبداعي.
وبعد انتهاء هذا المعرض، لن يعود لومبار لبلده فقد اتخذ قراره منذ فترة ليس فقط بالإقامة نهائيا في تونس للاستمتاع بالطابع التاريخي الإسلامي المنحوت بمدنها، ولكن أيضا لتوحيد الجهود مع خطاطين تونسيين وأوروبيين من أجل تنظيم معارض فنية عن الموروث الثقافي المشترك للمخطوطات بين بلدان البحر المتوسط.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى